أوّل الكلام آخرُه:
- أقامت المملكة العربيّة السعوديّة علاقاتٍ مع موظّفين في تويتر وحملتهم على التجسّس على حساباتٍ متعدّدةٍ لصالح قياداتها.
- يبدو أنّ الحكومة السعوديّة غير قادرةٍ وغير راغبةٍ في تحمّل أيّ نقدٍ مهما كان ملطّفًا.
- يشغّل السعوديّون مجموعةً كبيرةً من المراقبين الافتراضيّين والحقيقيّين لمطاردة منتقدي الرياض على الإنترنت في محاولةٍ لخنق المعارضة وإسكات كلّ الانتقادات.
- إنّ وسائل التجسّس التقليديّة غير التقنيّة، أي توظيف عملاء من الداخل، ما زال يُعدّ وسيلةً موثوقةً للحكومات ووكالات الاستخبارات في الحصول على المعلومات.
.
في المرحلة الجيوسياسيّة الحاليّة حيث للبيانات قيمةٌ تضاهي قيمة النقود، تستهدف الحكومات والهيئات والشركات موظّفي شركات التواصل الاجتماعيّ للولوج إلى المعلومات الخاصّة بزبائنها ومستخدميها. وفي مثالٍ على مدى استعداد المملكة العربيّة السعوديّة للتمادي في هذا المجال، أقامت المملكة علاقاتٍ مع موظّفين في تويتر وحملتهم على التجسّس على حساباتٍ متعدّدةٍ لصالح قياداتها. ووجّهت وزارة العدل الأمريكيّة اتهاماتٍ بالعمالة لصالح دولةٍ أجنبيّةٍ إلى كلٍّ من علي الزبارة وأحمد أبو عمو وذلك بسبب استغلالهما لمنصبيهما في تويتر بغرض جمع بياناتٍ خاصّةٍ بمستخدميه. استهدف أبو عمو ثلاثة حساباتٍ كانت قد نشرت معلوماتٍ عن الآليّة الداخليّة لعمل الحكومة السعوديّة. أمّا علي الزبارة فقد جمع معلوماتٍ حول 6000 حسابٍ، مركّزًا على كلّ من كان ينتقد العائلة الحاكمة الّتي كانت تعيش وسط تغييرٍ عاصفٍ لنظام علاقاتها العامّة في محاولةٍ لتعديل صورة الحكومة السعوديّة من متجهّمةٍ وصارمةٍ إلى حكومةٍ ذات رؤيةٍ إصلاحيّةٍ.
تُعدّ شركات التواصل الاجتماعيّ، ومن ضمنها تويتر، هدفًا سهلًا لعمليّات التجسّس الّتي تقوم بها الجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة. وتعطي خاصيّة إخفاء الهويّة المفترضة على تويتر أمناً وهميًّا للمستخدمين عند انتقادهم لحكوماتٍ أو لهيئاتٍ كبرى، إذ إنّ البيانات الخاصّة بالمستخدم والمعلومات المعرّفة بشخصيّته قد تحتوي على عناصر عدّةٍ، مثل اسمه الحقيقيّ ورقم هاتفه وبريده الإلكترونيّ فضلًا عن معلوماتٍ خاصّةٍ بموقعه. يُمكن استخدام هذه المعلومات لاستهداف الأشخاص بالتحرّش والابتزاز والتهديد وحتّى بالعنف. وتستخدم الحكومة السعوديّة موقع تويتر منصّةً تقوم من خلالها بعمليّات الترهيب ضدّ كل من يتجرّأ على انتقاد النظام السعوديّ. وفي الفترة الّتي سبقت مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، وهي عمليّةٌ تؤكّد وكالة الاستخبارات الأمريكيّة بثقةٍ عاليةٍ أنّ وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان هو من أمر بها، كان الجيش الإلكترونيّ السعوديّ يتحرّش بالخاشقجي على نحوٍ مستمرٍّ.
ويُستخدم تويتر بشكلٍ واسعٍ في المملكة العربيّة السعوديّة، وهو أحد المنصّات القليلة الّتي تسمح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم. وأمّا بالنسبة للمنفيّين أو المعارضين الّذين تركوا وطنهم فإنّ استخدام تويتر أو أيّ منصّة تواصلٍ أو مدوّنةٍ أخرى لنشر آرائهم والتواصل مع أفرادٍ ومجموعاتٍ تشاطرهم الرأي أو تؤيّدهم يكتسب أهمّيّةً خاصّةً. وليست المملكة وحدها من يستهدف على نحوٍ مكشوفٍ المنتقدين عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، فتركيا ومصر تشاطرانها الحساسيّة المفرطة اتّجاه أيّ انتقادٍ وتستهدفان بوحشيّةٍ المنتقدين سواءٌ أكانوا في البلاد أم خارجها.
ولا تُعدّ مواقع التواصل الاجتماعيّ أهدافًا صعبة المنال. فقد قرصنت جهاتٌ متعدّدةٌ منصّتها، واستطاعت الولوج إلى خوادمها. إلّا أنّ التجسّس التقليديّ غير التقنيّ، أي توظيف عناصر عميلةٍ من الداخل، يُعدّ وسيلةً موثوقةً. وقد استطاعت المملكة العربيّة السعوديّة الحصول على معلوماتٍ نفيسةٍ حول موضوعٍ تعدّه على قائمة أولويّاتها (أعني موضوع التغريدات المنتقدة سواءٌ أكانت ذات تأثيرٍ أم لم تكن) مقابل حفنةٍ من مئات آلاف الدولارات وساعات يدٍ ثمينةٍ. ويصعب على الصعيد التقنيّ الكشف عن أيّ تجسّسٍ يقوم به أشخاصٌ فالفترة الزمنيّة الّتي تفصل بين عمليّة سرقة البيانات واكتشاف هذه العمليّة تكون طويلةً إذا كان السَرَقة أشخاصًا حقيقيّين. فعلي الزبارة مثلًا كان قد استهدف بيانات المستخدمين عام 2015 أي قبل سنواتٍ من اكتشاف هذا الاستهداف. وأكّد المدّعي العامّ الأمريكيّ ديفيد أندرسون أثناء تلاوته قراره الاتّهاميّ «أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة لن تسمح للشركات الأمريكيّة والتكنولوجيا الأمريكيّة أن تصبح أداةً للجهات القمعيّة الخارجيّة الّتي تنتهك بذلك القانون الأمريكيّ». ونظرًا لاتّساع نطاق عمل شركات التواصل الاجتماعيّ وضعف دفاعاتها من جهةٍ، ومصلحة الحكومات والهيئات في الضغط على منتقديها من جهةٍ أخرى، فإنّ من المتوقّع أن يُكشف مستقبلًا عن المزيد من القضايا المماثلة، غير أنّها تبقى بلا شكٍّ جزءًا بسيطًا من إجماليّ محاولات الاختراق الّتي تجري فعلًا.
.