- أعلن رئيس الوزراء اللبنانيّ سعد الحريريّ في الـ 29 من أكتوبر/ تشرين الأوّل، أنّه وحكومته سيستقيلان، وسط احتجاجاتٍ ضخمةٍ.
- اجتازت الاحتجاجات في بداياتها حدود الانقسامات الطائفيّة، إلّا أنّ التشرذمات بدأت بالظهور مؤخّرًا على الساحة.
- حثّ مسؤولون حكوميّون من كلٍّ من فرنسا وألمانيا الحكومة اللبنانيّة على تأمين الاستقرار محذّرين من الفراغ السياسيّ.
- تشهد الساحة اللبنانيّة تفشّيًا واسعًا للفساد، فقلّةٌ قليلةٌ من السياسيّين فقط يمكنهم أن يزعموا عدم تلطّخهم به.
أطاحت الاحتجاجات الّتي اندلعت منذ أسبوعين في لبنان بسبب اقتراح قانونٍ بفرض ضريبةٍ على تطبيق التخابر «واتساب» بالحكومة. ففي الـ 29 من تشرين الأوّل/ أكتوبر، أعلن رئيس الوزراء سعد الحريريّ استقالة حكومته بعد فشله في وضع حدٍّ للاضطرابات الشعبيّة الّتي اجتاحت الطرقات اللبنانيّة. واحتفلت الحشود المتظاهرة في الساحات بعد إعلان الحريريّ استقالته. وعلى عكس الاحتجاجات الّتي سجّلتها الذاكرة المعاصرة، اتّسمت المظاهرات اللبنانيّة الأخيرة بحضورٍ جماهيريٍّ واسعٍ وبغياب قيادةٍ محدّدةٍ، واجتمعت الجموع المتظاهرة على التنديد بالفساد الممنهج المستشري، وبعدم كفاءة القيادات السياسيّة اللبنانيّة ورموز السلطة الّذين لا يزالون في مناصبهم منذ أمدٍ بعيدٍ. وكانت القشّة الّتي قصمت ظهر البعير مشروع قانونٍ ضريبيٍّ يفرض 6$ شهريًّا على مستخدمي تطبيق «واتساب»، فاجتاحت الطرقات اللبنانيّة على إثره موجة غضبٍ شعبيّةٌ عارمةٌ. وسرعان ما اتّجه المحتجّون نحو مطالب أخرى مندّدين بعدم المساواة الّذي يفرضه النظام السياسيّ الإقصائيّ القائم على الزبائنيّة والّذي لا يستفيد منه إلّا قلّةٌ من المنتفعين. على أنّ زخم الاحتجاجات ظلّ في ازديادٍ مطّردٍ بالرغم من إلغاء الحكومة مشروع القانون الضريبيّ السابق ذكره.
اجتازت الاحتجاجات في بداياتها حدود الانقسامات الطائفيّة، إلّا أنّ التشرذمات بدأت بالظهور مؤخّرًا على الساحة. فخلال أيّام الحراك الأولى، اعتمد حزب الله سياسة الانتظار والترقّب. ويُعدّ حزب الله قوّةً سياسيّةً وعسكريّةً على حدٍّ سواءٍ، كما أنّه يتمتّع بقاعدةٍ شعبيّةٍ ضخمةٍ لدى أبناء الطائفة الشيعيّة من اللبنانيّين. وأكّد الأمين العامّ لحزب الله السيّد حسن نصر الله في خطابٍ له، أنّ كافّة أصحاب النفوذ ومختلف الفئات اللبنانيّة يتشاركون المسؤوليّة، ومن ضمنهم حزب الله، مضيفًا أنّ على هؤلاء التصدّي للمطالب الحقيقيّة للشعب. وأكمل نصر الله حديثه مشيرًا بأصابع الاتّهام إلى التدخّلات الخارجيّة زاعمًا، في خطوةٍ متوقّعةٍ، بأنّ قوًى خارجيّةً تتحمّل مسؤوليّة الفوضى الحاصلة في لبنان. وأشارت تقارير لاحقةٌ أنّ مناصرين لحزب الله وحركة أمل اعتدوا على نحوٍ غوغائيٍّ على بعض المتظاهرين في وسط بيروت. وفرّق الجيش اللبنانيّ عدّة مرّات بين المتظاهرين و«المتظاهرين» المناوئين لهم، إلّا أنّ بعض الاشتباكات وقع بالفعل. كما واشتبك مناصرو الرئيس ميشال عون مع متظاهرين آخرين.
وأتت استقالة الحريريّ في أعقاب فضائح فسادٍ متتاليةٍ، الأمر الّذي ربّما لن يجعلها كافيةً لطمأنة المحتجّين إلى سعي الحكومة إلى تحقيق مطالبهم. وطلب وزير الخارجيّة الفرنسيّ جان إيف لو دريان من القيادات اللبنانيّة أن تُركّز جهودها على تأمين استقرار المؤسّسات ووحدة البلاد. وأدلى وزير الخارجيّة الألمانيّ هايكو ماس بتصريحاتٍ مماثلةٍ محذّرًا من مغبّة الفراغ في السلطة، وحثّ على أن تبقى المظاهرات سلميّةً. وتجدر الإشارة إلى أنّ الاقتصاد اللبنانيّ يقف على شفير الانهيار، وقد أغلقت البنوك والمدارس أبوابها منذ بداية الاحتجاجات وأصبح من المستحيل توفير كثيرٍ من الخدمات الّتي كانت في الأصل شحيحةً قبل الاحتجاجات. وظهرت فجأةً نقاط تفتيشٍ في أرجاء المدينة، وحصل ركودٌ في حركة السير، حيث قُطعت أغلب الطرقات. وتبقى الحكومة غير قادرةٍ على إدارة الخدمات البلديّة مثل جمع النفايات وتأمين خدمات الكهرباء والمياه.
ومن غير المرجّح أن يتخلّى القادة السياسيّون والطائفيّون عن السلطة الّتي استحوذوا عليها خلال سنواتٍ عديدةٍ. وحتّى الآن، رفض المتظاهرون كافّة التدابير المقترحة وأنصاف الحلول ووصفوها بغير الكافية، وندّدوا بتحكّم قوًى إقليميّةٍ مثل إيران والمملكة العربيّة السعوديّة بالحكومة اللبنانيّة. أمّا الحريريّ الّذي حاول الاستقالة تحت ضغط الرياض عام 2017 فيجب أن يستبدل به رئيس وزراء آخر. إلّا أنّه لا بديلَ ملائمًا له حتّى الآن. وتشهد الساحة اللبنانيّة تفشّيًا واسعًا للفساد، فقلّةٌ قليلةٌ من السياسيّين فقط يمكنهم أن يزعموا عدم تلطّخهم به، ولذلك كان شعار المتظاهرين الأكثر شيوعًا عبارة «كلّن يعني كلّن». غير أنّ هذا ليس مجرّد شعارٍ بل هو تقويمٌ دقيقٌ للساحة السياسيّة اللبنانيّة، حيث تتمتّع فئةٌ صغيرٍةٌ جدًّا من القيادات السياسيّة اللبنانيّة بدعم الشعب وثقته، نظرًا لتفشّي الفساد في البلاد منذ أمدٍ بعيدٍ.
للبحوث والتحليل المتخصص ، يرجى الاتصال بـ: info@thesoufancenter.org