أوّل الكلام آخره:
- أنشئت مجموعة فاغنر عام ٢٠١٤، وهي شركة عسكرية روسية خاصة على علاقة وثيقة بالكرملين. وتفيد التقارير بأنها كانت نشطة في عدد من مناطق النزاع، من أوكرانيا إلى ليبيا وخارجها.
- تنوع مجموعة فاغنر مصادر تمويلها بطرق تسمح لها بالتهرب من العقوبات الأمريكية، في حين تساعد أنشطتها الارتزاقية روسيا على تحقيق أهدافها الأمنية القومية.
- إن العمل على نشر شركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاغنر واستخدام موسكو لعمليات التضليل، يعد جزءا من استراتيجية روسيا لتوظيف عمليات تقع في «المنطقة الرمادية» لبسط نفوذ الكرملين.
- في إفريقيا، تدر أنشطة مجموعة فاغنر دخلا لا بأس به والأهمّ أنّها تسمح بزيادة النفوذ الروسي في القارة ذات الأهمية الاستراتيجية.
أنشأ يفغيني بريغوجين مجموعة فاغنر عام ٢٠١٤، وهي شركة عسكرية روسية خاصة. ويعد بريغوجين من النخبة الأوليغارشية وتربطه علاقة وثيقة مع فلاديمير بوتين، وهو يعرف يعرف باسم طاهي بوتين بسبب سلسلة المطاعم الشهيرة التي كانت تقدم طعام بوتين المفضل. ساهم بريغوجين في مساعدة موسكو على تحقيق أهدافها الأمنية القومية. وأشارت وزارة العدل الأمريكية إلى بريغوجين لدوره في إدارة ما يسمى بمصنع المتصيدين نيابة عن وكالة أبحاث الإنترنت في الاتحاد الروسي. وكانت جهود بريغوجين تهدف للتأثير على الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة عام ٢٠١٨، ولهذا السبب، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه أيضا عملا بالأمر التنفيذي 13848 الذي يفرض عقوبات على التدخل في الانتخابات الأمريكية. وقبل ذلك، كان بريغوجين قد عوقب لدوره في الحرب الروسية في أوكرانيا. وكما يحضر الخداع والحيلة في تاريخ بريغوجين، فإنهما يحضران أيضا بقوّة في أنشطة مجموعة فاغنر.
تفاوتت فعالية مجموعة فاغنر إذ نشرت قواتها القتالية التي يقدر حجمها بين ألف وخمسة آلآف عسكري. وقد توزع مرتزقة فاغنر في عدة بلدان، بما في ذلك بلدان انتشرت فيها الجماعات الإرهابية أو كانت مسرحا للصراعات المستمرة أو تديرها حكومات ضعيفة، كأوكرانيا وليبيا والسودان وزيمبابوي وفنزويلا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب إفريقيا. وقد نجحت مجموعة فاغنر في تنويع مصادر تمويلها، وفي حين أنها تمولت جزئيا من خلال العلاقات الوثيقة التي تربط بريغوجين بالكرملين، تلقت المجموعة أيضا تمويلات أجنبية. فعلى سبيل المثال، كانت المجموعة تتقاضى أجرا جزئيا عن عملها في جمهورية إفريقيا الوسطى من الذهب والماس إذ يعد مثل هذا النوع من الدفع مثاليا لمجموعة مهتمة بإخفاء مصادرها المالية، فالأحجار الكريمة قابلة للنقل، وتسمح بالتهرب من التدقيق في النظام المالي الرسمي، ويمكن تبديلها بسهولة. وأفادت تقارير بأن مجموعة فاغنر تقاضت أجورا أيضا من الموارد الطبيعية، ولا سيما النفط والغاز، مقابل عملها في سوريا. ويشكل هذا النوع من الأجر أمرا مهما لمجموعة فاغنر لأنها تخضع لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية بموجب الأمر 13660وهو نظام الجزاءات الذي يركز على الأنشطة غير القانونية في أوكرانيا. وتتداخل في دوافع مجموعة فاغنر عوامل الربح والنزعة القومية. ومع ذلك، فمن المرجح أن تكون دوافع قائدها العسكري ديمتري أوتكين أكثر تعقيدا. فقد قام أوتكين، العضو السابق في القوات الخاصة الروسية والذي تفيد تقارير بأنه مفتون بأدولف هتلر والأيديولوجية النازية، بإطلاق اسم موسيقاره المفضل ريتشارد فاغنر على المجموعة. وقد فرضت وزارة الخزانة عقوبات على أوتكين عام ٢٠١٧ بموجب الأمر 13660.
تنبع العقوبات التي فرضتها مجموعة فاغنر من أنشطتها في أوكرانيا حيث قاتلت إلى جانب مزيج من القوات العسكرية الروسية والانفصاليين الأوكرانيين والعنصريين البيض. وتعد أوكرانيا المكان الذي اكتسبت فيه مجموعة فاغنر خبرة حاسمة في ساحات الحروب من خلال قتالها دعما لضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤. وفي وقت لاحق، تركزت الأنشطة القتالية لمجموعة فاغنر في أوكرانيا في لوكانسك ودونيتسك. كما استمرت مجموعة فاغنر في توسيع نطاق عملياتها في سوريا حيث شكلت قوة مقاتلة خدمة للمصالح الروسية. وعلى عكس كيانات المقاولات العسكرية الخاصة في الولايات المتحدة التي تحمي بشكل عام موظفي الحكومة الأمريكية ومرافقها، مثل دينكورب وبلاك ووتر (والتي باتت تدعى «الأكاديمية» حاليا)، تشارك مجموعة فاغنر مباشرة في القتال. وفي سوريا، اشتهرت المجموعة بهزيمتها أمام القوات الأمريكية في تبادل لإطلاق النار في شباط / فبراير ٢٠١٨ بالقرب من مصنع غاز كونوكو الذي يقع بالقرب من دير الزور. وعلى الرغم من الإخفاق، كان قرار مجموعة فاغنر خوض المعركة مؤشرا على مهمّتها الأساسية: الحفاظ على وصول نظام الأسد إلى النفط والغاز.
وتوسعت مهمة مجموعة فاغنر لتشمل بقعا ساخنة أخرى، ولا سيما في أفريقيا. وفي عام ٢٠١٨، ظهرت مجموعة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى، البلد الغني بموارده، وغير المستقر إلى حد كبير، ودعمت الرئيس فوستين أرنغست تواديرا. ولا يزال الغموض يحيط بأنشطة مجموعة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى. وفي الشمال، وتحديدا في ليبيا، كان لمجموعة فاغنر دور فاعل في جعل الاتحاد الروسي في وضع يجعله قادرا على التأثير في نتائج الحرب الأهلية. وعلى وجه التحديد، أدخلت مجموعة فاغنر مرتزقة إلى الجيش الوطني الليبي التابع لخليفة حفتر لمضاعفة قوته العسكرية. وقد أدى ذلك إلى تعزيز جيش حفتر والنفوذ الروسي الإضافي المحتمل في نهاية اللعبة الليبية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحصول على احتياطيات الطاقة. ومن الواضح أن النجاحات الأخيرة التي حققتها مجموعة فاغنر تعود بالفائدة على روسيا وتنذر بانتشار المزيد من القوات، وخاصة في أجزاء من العالم تعتبرها موسكو ذات أهمية جيوسياسية، سواء على الصعيد الجغرافي أو لجهة مواردها الطبيعية. وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في جميع أنحاء العالم، تستخدم روسيا مجموعة فاغنر لتوسيع نفوذها واستغلال فراغ السلطة من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط.