أوّل الكلام آخرُه:
- وافق البرلمان في الأوّل من ديسمبر/كانون الأوّل على استقالة رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهديّ.
- وظهرت شجاعة المتظاهرين بيّنةً رغم استخدام قوّات الأمن العراقيّة القوّةَ والعنفَ وقتلِها لقرابة 400 متظاهرٍ خلال عمليّات القمع في مختلف أرجاء البلاد.
- يدعو العديد من المتظاهرين إلى تغييرٍ جذريٍّ يطال مستوى الحياة اليوميّة للعراقيّين الّذين يكافحون من أجل تحقيق تقدّمٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ.
- أمّا الولايات المتّحدة فبقيت على الحياد حيال هذه الاحتجاجات ولعلّ هذا الموقف يُظهر تقلّص النفوذ الأمريكيّ في العراق.
قدّم رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهديّ استقالته نهاية الأسبوع الماضي لبرلمان بلاده الّذي قَبل الاستقالة ولا يزال يبحث الآن عن بديلٍ. يُعدّ هذا الإعلان في الظاهر إنجازًا هامًّا حقّقه عشرات آلاف المتظاهرين في وجه الفساد وغياب الكفاءة على مستوى الحكومة الوطنيّة وذلك منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل. وأظهر المتظاهرون تصميمهم وإرادتهم الصلبة وشجاعتهم وذلك ببقائهم في الطرقات رغم استخدام قوّات الأمن العراقيّة القوّةَ والعنفَ وقتلِها لقرابة 400 متظاهرٍ خلال عمليّات القمع في مختلف أرجاء البلاد. ولم يُطالب المحتجّون الحكومة بالقيام بالإصلاحات اللازمة فحسب بل ندّدوا بشدّةٍ أيضًا بنفوذ القوى الخارجيّة المتزايد ولا سيّما نفوذ إيران في الحياة السياسيّة العراقيّة اليوميّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ موجة الاحتجاجات هذه اتّسمت بطابعٍ وطنيٍّ أكثر من تلك السابقة.
ولا يزال من غير الواضح من سيكون خلف عبد المهديّ في رئاسة الحكومة العراقيّة. وتنصّ الإجراءات المتّبعة أنّ على البرلمان أن يطلب من الرئيس العراقيّ برهام صالح أن يُعيّن خلفًا للرئيس عبد المهديّ ينتمي إلى الكتلة النيابيّة الأكبر، وحتّى حدوث ذلك سيبقى عبد المهديّ في منصبه. ويدرك المتظاهرون أنّ التغيير ربّما يكون شكليًّا، ولذلك انطلقت مظاهراتٌ حاشدةٌ في العديد من المدن خلال اليومين الماضيين وذلك منذ إعلان الاستقالة، وهذا يعني أنّ تغييرًا ضئيلًا على مستوى المشاركين في الحكومة لن يخدم في التخفيف من حدّة الاحتجاجات. فكثيرٌ من المتظاهرين يدعون إلى تغييرٍ جذريٍّ على المستوى الحكوميّ مشيرين إلى أنّ الإصلاحات لا تُذكر إلّا في خطابات السياسيّين بَيْدَ أنّها لا تلامس الحياة اليوميّة للعراقيّين الّذين يعانون من أجل تحقيق تقدّمٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ.
ومن المهمّ بمكانٍ ملاحظة أنّ الاعتراضات الواسعة على استخدام الحكومة القوّة المفرطة وغير المبرّرة دفعت آية الله عليّ السيستانيّ وهو رجل الدّين الشيعيّ الأكثر نفوذًا في العراق وأحد كبار رجال الدين الشيعة حول العالم إلى التفاعل معها وصولًا إلى ما يقارب تحذير إيران من التدخّل في الشؤون العراقيّة. وليست هذه الاحتجاجات ذات طبيعةٍ مذهبيّةٍ بل إنّها تخطّت الحدود الطائفيّة، وشكّلت اعتراضًا واسعًا على سوء الإدارة الّذي لازم الحكومات الوطنيّة منذ عهد رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي. وأقدم المتظاهرون في مرّاتٍ عدّةٍ على تدمير مبانٍ حكوميّةٍ وحرق منشآتٍ إيرانيّةٍ من ضمنها تلك الّتي في النجف. على أنّ النفوذ الإيرانيّ لا يزال واسعًا وهامًّا في العراق، غير أنّه ليس موضع إجماعٍ وطنيٍّ عراقيٍّ، ولذلك لا يبدو عجيبًا أنّه شكّل إحدى القضايا الأساسيّة الّتي تدور عليها مطالب المحتجّين. فلا يزال الحسّ القوميّ قويًّا في العراق، وهو يرفض أيّ تدخّلٍ ونفوذٍ خارجيّين سواءٌ أكانا أمريكيّين أم كانا إيرانيّين أو غير ذلك.
أمّا الولايات المتّحدة فلازمت الحياد حيال هذه الاحتجاجات ولعلّ هذا الموقف يُظهر تقلّص النفوذ الأمريكيّ في العراق. إلّا أنّ واشنطن ندّدت بأعمال العنف بوجه المحتجّين غير أنّها لم تبد رأيها حيال رفض العراقيّين النفوذَ الإيرانيّ. وكما هي الحال في الاحتجاجات في لبنان فإنّ السخط المتنامي بسبب فساد الحكومة المدعومة من طهران كان كافيًا لتأجيج مظاهراتٍ واسعةٍ استمرّت أشهرًا عدّةً. أمّا المملكة العربيّة السعوديّة الّتي تتعامل بحساسيّةٍ مفرطةٍ مع أصغر احتمالات العصيان في بلادها فإنّها لم تقل شيئًا يذكر بخصوص الاحتجاجات في العراق. وترمي طهران، وكذا القوى الحليفة لها مثل حزب الله، مسؤوليّة سوء الإدارة عن أكتافها عبر توجيه أصابع الاتّهام إلى التدخّل الغربيّ في الشؤون الإيرانيّة واللبنانيّة. إلّا أنّ المتظاهرين قد رأوا مبالغةً كبيرةً في هذه الادّعاءات، فازدادت وتيرة الاحتجاجات وأصبحت الآن ذات شرعيّةٍ سياسيّةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ولا يزال من غير الواضح حتّى الآن ما إذا كان العراق قادرًا على تحقيق تغييرٍ مستدامٍ غير أنّ هذه الاحتجاجات تبدو وكأنّها بصيص الأمل الجدّيّ الوحيد لحصول هذا التغيير منذ أعوامٍ.