أوّل الكلام آخرُه:
- يدلّ الهجوم الكبير الأخير في النيجر والّذي أقدم عليه تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى على نموّ المجموعة وأنّها باتت تهديدًا كبيرًا يتهدّد جميع أنحاء منطقة الساحل.
- أدّى مقتل جنودٍ فرنسيّين مؤخّرًا في مالي وتصاعد مشاعر العداوة للفرنسيّين في جميع أنحاء غرب أفريقيا إلى توتّر علاقات فرنسا مع الحكومات الإقليميّة.
- ما من تقدّمٍ في التعاون الإقليميٍّ حتّى الآن لمنع تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى من عبور الحدود بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو وربّما نيجيريا أيضًا.
- إنّ عدد القتلى الهائل الّذي تسبّبت به هجمات تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى وفشل الجيوش الإقليميّة في الاستجابة بفعاليّةٍ يزيدان نطاق ما تسعى أيدي الجماعات العنفيّة غير التابعة للدولة أن تطاله.
في أحد الاعتداءات الأكثر وحشيّةً في التاريخ المعاصر، أقدم تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى على الهجوم على منشآتٍ عسكريّةٍ في إناتيس في النيجر الأسبوع الماضي موديًا بحياة أكثر من 70 جنديًّا. وجُرح نتيجة الاعتداء العديد ولا يزال كثيرون في عداد المفقودين. وهذا الاعتداء لا يُعدّ كارثةً ضخمةً حلّت على النيجر فحسب بل هو تهديدٌ كبيرٌ لبلدين قريبين من النيجر وهما بوركينا فاسو ومالي اللذان يخوضان صراعًا مع التنظيم نفسه. وخلال هذا الاعتداء، استخدم تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى سيّارتين مفخّختين على الأقلّ يقودهما انتحاريّان، وأطلق مقاتلو التنظيم عشراتٍ من القذائف الصاروخيّة على القاعدة العسكريّة. ثمّ دخل عشراتٌ من المقاتلين على درّاجاتٍ ناريّةٍ إلى القاعدة وقتلوا عددًا من الجنود. وتبنّى تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى مسؤوليّة هذا الاعتداء فورًا، ولكنّه أعلنه باسم تنظيم الدولة الإسلاميّة-غربيّ أفريقيا الّذي ينشط في نيجريا والمعروف ببوكو حرام والّذي يضمّ تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى ضمن أطره التنظيميّة. ونشر التنظيم مقطعًا مصوّرًا بعد عدّة أيامٍ من الهجوم يظهر فيه مقاتلون وهم يعدمون ثلاثةً من الجنود الرهائن. والأمر اللافت للانتباه هو أنّ التنظيم نفسه قد هاجم القاعدة العسكريّة نفسها مستخدمًا التكتيكات نفسها في الثاني من شهر تمّوز/ يوليو. وكان ذلك الاعتداء على درجةٍ من الوحشيّة أيضًا حيث أدّى إلى مقتل عشرين جنديًّا نيجيريًّا؛ وفي المحصّلة فإنّ مئة جنديٍّ نيجريٍّ قد قُتل خلال الأشهر الستّة الماضية في إناتيس وحدها.
ويأتي هذا الاعتداء في خضمّ تزايد الحوادث الإرهابيّة المتسارع في المنطقة. ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، هاجم تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى قاعدةً عسكريّةً كبرى في إندليمان في مالي ممّا أدّى إلى قتل أكثر من خمسين جنديًّا. ونشر التنظيم تسجيلًا مصوّرًا لهذا الاعتداء يُظهر مقاتليه وهم يستعدّون للذهاب إلى القاعدة العسكريّة ثمّ وهم يركبون درّاجاتهم الناريّة مقتحمين بها القاعدة حيث ارتكبوا مجزرتهم. وأشار مراقبون موثوقون إلى أنّ أحد المقاتلين الظاهرين في الفيديو يرتدي زيّ التمويه الخاص بالجيش النيجيري ممّا قد يعني أنّ إقدام تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى على هذا الاعتداء باسم الدولة الإسلاميّة في غربيّ أفريقيا لا يُعدّ نوعًا من أنواع التعاون بين التنظيمين فقط بل يبدو أنّ تبادلًا للعديد والمعدّات يحصل بينهما. ويبدو أنّ ذلك جاء نتيجة نقل تنظيم الدولة الإسلاميّة في غربي أفريقيا لعددٍ من خلاياه من الشمال الشرقيّ لنيجيريا إلى الشمال الغربيّ وهي منطقة تقع على حدود النيجر وتبعد 300 ميلٍ عن الحدود الماليّة. وتُعدّ كلّ من إناتيس وإندليمان مناطق إستراتيجيّةً حيث تقع كلتاهما على الحدود مع مالي والنيجر على حدٍّ سواء. وإنّه من الأكيد أنّ مقاتلي الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى غالبًا ما يقطعون الحدود قبل القيام بالاعتداءات على بوركينا فاسو حيث تصاعد عمل التنظيم في عام 2019 وبعد تنفيذ تلك الاعتداءات. ودخل مقاتلو التنظيم أيضًا إلى أراضي بنينيز مرّةً خلال عام 2019 حيث خطفوا سائحين أجنبيّين وقتلوا الدليل السياحيّ إلّا أنّ عمليّةً قامت بها وحدةٌ من القوّات الخاصّة أدّت إلى إنقاذ السائحين لاحقًا.
ولأنّ فرنسا تلعب دور ضامنٍ للأمن والاستقرار في المنطقة، فمن المتوقّع في الحالات العاديّة أن تردّ على هذه الاعتداءات بتعزيز تعاونها الأمنيّ مع كلٍّ من مالي والنيجر. إلّا أنّ معنويّات الجيش الفرنسيّ قد تكون ضعيفة الآن أكثر ممّا كانت عليه في السنة الماضية. ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اصطدمت طائرتان عموديّتان تابعتان للسلاح الجويّ الفرنسيّ في سماء مالي إحداهما بالأخرى ممّا أدّى إلى مقتل ثلاثة عشر جنديًّا فرنسيًّا. وشكّلت هذه الحادثة إحدى أكبر الخسائر الّتي مُنِيَ بها الجيش الفرنسيّ خلال العقود الأربعة الماضية. ودعا الرئيس الفرنسيّ ماكرون في وقتٍ لاحقٍ رؤساء بلدان غربيّ أفريقيا على نحوٍ استعراضيٍّ إلى لقاء قمّةٍ في فرنسا في منتصف كانون الأوّل/ ديسمبر ومن المتوقّع أن يثير الرئيس الفرنسيّ قضيّة تصاعد المشاعر المعادية للفرنسيّين في المنطقة، غير أنّه من المرجّح أيضًا ألّا يُعملَ على سحب القوّات الفرنسيّة من المنطقة.
وتنشط مجموعةٌ أخرى وهي جماعة نصر الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل أيضًا. وفي حين شكّلت هذه الجماعة تهديدًا مستمرًّا أكبر من التهديد الّذي شكّله تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى، إلّا أنّ نجم هذا التنظيم أخذ يسطع مؤخّرًا أكثر من نجم الجماعة على الصعيد الإعلاميّ بسبب ضخامة اعتداءاته ومن بينها الاعتداءان على إندليمان وإناتيس. وليس من المفاجئ أن تسعى جماعة نصر الإسلام والمسلمين إلى منافسة تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى عبر الإقدام على اعتداءاتٍ ضخمةٍ في النيجر أو مالي أو بوركينا فاسو. ومن الممكن أن تستهدف هذه الاعتداءات أهدافًا دوليّةً أو قواعد عسكريّةً ويمكن أن تصل أيضًا إلى بنين وتوغو وغانا. وتنشط جماعة نصر الإسلام والمسلمين في بوركينا فاسو بالفعل على المناطق الحدوديّة للبلدان الثلاثة السابقة. ومن خلال عبور حدود بوركينا فاسو للقيام بأيّ اعتداءٍ سيكون بوسع جماعة نصر الإسلام والمسلمين ادّعاء توسّع نطاق عملها ليشمل بلدانًا أخرى غربيّ أفريقيا. وبحسب ما تتّجه إليه الأمور فإنّه وخلال فترةٍ قصيرةٍ من الزمن سيعمد كلٌّ من تنظيم الدولة الإسلاميّة في الصحراء الكبرى وجماعة نصر الإسلام والمسلمين إلى توسيع إطار نشاطاتهما في البلدان الأفريقيّة الغربيّة. وحتّى ذلك الحين ستستمرّ المجموعتان في استهداف القواعد العسكريّة على الحدود بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو. ومع مرور الزمن فإنّ المرافق العامّة وكلّ ما يُمثّل الدولة على الحدود تتقلّص تدريجيًّا، الأمر الّذي يُساهم في تعبيد الطريق أمام الجهادّيين لتحقيق أهدافهم في السيطرة على أراضٍ من دون تدخّل الدولة.