- يستمرّ الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسيّ في قمعه لأيّ شكلٍ من أشكال المعارضة فعليّةً كانت أم متخيّلةً.
- اعتقلت الحكومة الآلاف منذ اندلاع الاحتجاجات المناوئة للفساد في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر.
- أكّدت تقارير موثوقةٌ وواسعة الانتشار بأنّ الحكومة المصريّة تمارس التعذيب وتعتقل الأشخاص لفتراتٍ غير محدّدةٍ.
- تستمرّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة بدعمها «للديكتاتور المفضّل» لديها، فيما ينخرط السيسيّ في عمليّات انتهاكٍ واسعةٍ لحقوق الإنسان.
.
فخلال حكم حسني مبارك الّذي امتدّ على قرابة ثلاثة عقودٍ، مارست الحكومة المصريّة رقابةً داخليّةً قمعيّةً حيث انتهكت حريّة الصحافة وحقوق المجتمع المدنيّ وعُرفت بفسادها. وقدّمت واشنطن الدعم لمبارك حتّى لحظاته الأخيرة في الحكم، وساندت على وجه الخصوص الوعود الكاذبة بالاستقرار الّذي ثمنه القبول بالحكم المطلق. وعلى مأساويّة ما شهدته البلاد خلال حكم مبارك، تبدو الحال اليوم أكثر سوءًا في ظلّ حكم عبد الفتاح السيسيّ قائد الجيش المصريّ السابق. فبعد وصول السيسيّ إلى سدّة الرئاسة بعد انقلابٍ عسكريّ قام به منذ 6 سنواتٍ، استحوذ على السلطة استحواذًا لم يحلم به مبارك قطّ. فمنذ تولّيه الحكم تمكّنت الحكومة المصريّة من قمع الأغلبيّة الساحقة من حركات المعارضة السياسيّة والاجتماعيّة كما واعتمدت حملاتٍ طويلة الأمد من أجل ضمان التزام وسائل الإعلام ببثّ المحتوى المطابق لوجهة نظر النظام. واستهدفت الحكومة آلاف الإعلاميّين معتمدةً سياسة التخويف والترهيب من ثمّ الاعتقال والتعذيب. كما واستهدف السيسيّ المنظّمات غير الحكوميّة ولا سيّما تلك المدعومة من الغرب حيث يرى رئيس مصر الحاليّ في أيّ دعمٍ للديمقراطيّة والحريّة تهديدًا مباشرًا للحكومة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة المصريّة كانت قد انتهكت حقوق الإنسان مرارًا وتكرارًا قبل حدوث المظاهرات بفترةٍ طويلةٍ. وكان الفساد السائد والظاهر عاملًا أساسيًّا في دفع الناس إلى الشارع. ولعب الجيش على وجه الخصوص دورًا ضخمًا في النشاطات الاقتصاديّة، مشروعةً كانت أم غير مشروعةٍ. ورصدت الحكومة أنشطة الإعلاميّين عبر المراقبة الرقميّة لكافّة أدوات الاتّصال من البريد الإلكترونيّ إلى المحادثات الهاتفيّة وهي مهمّةٌ قامت بها الاستخبارات والأجهزة العسكريّة. اليوم، بُعَيْد الاحتجاجات ذات العمر القصير الّتي اندلعت في أواخر أيلول/ سبتمبر، عاد النظام إلى اعتماد أساليبه التقليديّة. وأفادت بعض التقارير مؤخّرًا بأنّ الحكومة المصريّة اعتقلت أكثر من 4000 شخصٍ، منذ بداية الاحتجاجات، كثيرٌ منهم بلا تهمةٍ واضحةٍ. وهذا يشمل أكثر من مئة أجنبيٍّ وُسموا بوسم «المحرّضين» أو «العملاء». ووضعت الشرطة نقاط تفتيشٍ على الطرقات لمراقبة الهواتف الذكيّة للمدنيّين العاديّين المارّين في الشارع.
وبما أنّ الحكومة تلصق تهمة العمالة على أيّ خطابٍ إعلاميٍّ لا يُوافق عليه السيسيّ، فقد اختفى الكثيرون عن الأنظار واعتُقل كثيرون آخرون في مراكز الاحتجاز الّتي لا تُعدّ ولا تحصى في البلاد، حيث تعتمد قوّات الأمن التعذيب أداةً تقليديّةً اعتياديّةً. وعلى مدى عقودٍ حصلت أجهزة الأمن الداخليّ المصريّة على سمعةٍ سيّئةٍ بسبب ارتكابها لعمليّات تعذيبٍ واعتداءٍ إلّا أنّ الأمر ازداد سوءًا خلال حكم السيسيّ. وتعتمد هذه الأجهزة أساليب وحشيّةً من التعذيب بحقّ المحتجزين المصريّين والأجانب. وقد اعتُقل عددٌ من الأجانب من ضمنهم مواطنون من الولايات المتّحدة الأمريكيّة وعوملوا بطريقةٍ وحشيّةٍ. وبدلًا من الضغط على حكومة السيسيّ بسبب سوء معاملة الأمريكيّين المحتجزين، بَلهَ المصريّين، قدّمت إدارة ترامب الدعم والتقدير لهذا النظام، فقد نعت الرئيس الأمريكي ترامب السيسيّ بـ«ـديكتاتوره المفضّل» ووصفه مرارًا بالقائد «القويّ» و«الصلب».
ومن الثوابت القليلة في مقاربة الرئيس الأمريكيّ للسياسة الخارجيّة إعجابه بالحكّام المستبدّين «الأقوياء». وإذا ما تجاوز أيّ ديكتاتورٍ بضعة خطوطٍ حمرٍ متعلّقةٍ بحقوق الإنسان فإنّه لن يواجه ما يتعدّى التأنيب الخفيف من الولايات المتّحدة الأمريكيّة. أمّا السيسيّ فقد سار على خطى الرئيس ترامب واصفًا الأخبار الصادرة عن بعض الوسائل الإعلاميّة غير المتزلّفة بأنّها «أخبارٌ مختلقةٌ». والحقّ أنّ موجة تكرار القادة الديكتاتوريّين لكلام الرئيس ترامب واعتمادهم نظرته الخاصّة بحريّة الصحافة وتطبيقها في بلادهم لسحق «أعداء الشعب» تلقى رواجًا كبيرًا. وهذه هي الحال في مصر خلال حكم السيسيّ، وليس من مؤشّرٍ على أنّ الحال قد تتحسّن في المدى المنظور أو المتوسّط من دون أيّ ضغطٍ خارجيٍّ يوقد شرارة التغيير.