أوّل الكلام آخرُه:
- بعد شهرٍ من المحادثات المتقطّعة، توصّلت الولايات المتّحدّة وحركة طالبان الأفغانيّة على ما يبدو إلى اتّفاقٍ قد يساهم في وقفٍ مؤقّتٍ لأعمال العنف في الأجل القريب.
- ستكون العقبة التالية هي المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانيّة، تزامنًا مع انسحاب القوّات الأمريكيّة الّذي يعدّ نقطةً مفصليّةً في إنجاح أيّ محادثاتٍ أو إفشالها.
- والسؤال الأساسيّ الّذي سيطرح حتّى لو أمرت طالبان مقاتليها بالتنحّي: هل تمتلك المنظّمة القدرة على تنفيذالأمر وضبط عناصرها؟
- في حال تمكّنت الولايات المتّحدّة من التوصّل إلى اتّفاق مع طالبان، وتمكّنت الأخيرة من التوصّل إلى تفاهمٍ مع الحكومة الأفغانيّة، تبقى مسألة تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش قائمةً وتزعزع للاستقرار.
بعد شهرٍ من المحادثات المتقطّعة والدبلوماسيّات المكثّفة، توصّلت الولايات المتّحدّة وحركة طالبان الأفغانيّة على ما يبدو إلى اتّفاقٍ قد يساهم في وقفٍ مؤقّتٍ لأعمال العنف في الأجل القريب بهدفٍ أوسع يتمثّل بالتوصّل إلى تسويةٍ عن طريق التفاوض. إذ تتمحور المفاوضات حول صيغةٍ محدّدةٍ تتناول «الحدّ من العنف» على مدى سبعة أيّامٍ متواصلةٍ، ومن اللّافت غياب مصطلح «وقف إطلاق النار» في الجولة الأخيرة. فإذا سارت الأمور وفقًا للخطّة، فقد يكون ذلك بمثابة تدبير لبناء الثقة لكلا الطرفين خلال فترة العمل للتوصّل إلى اتّفاقٍ أكثر شمولًا. وقد شكّلت الدوحة بقطر مركز الثقل لمحادثات السلام، وكان زلماي خليل زاد الممثّل الأمريكيّ الخاصّ لأفغانستان، القوّة الدافعة من الجانب الأمريكيّ.
وقد أشار الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب مؤخّرًا إلى استعداده لمواصلة المضيّ قدمًا في هذه العمليّة، ممّا يبشّر باقتراب التوصّل إلى اتّفاقٍ، حيث قال: «أعتقد أننّا قريبون جدًّا، وأعتقد بأنّ الاتّفاق الّذي سيحصل فرصةٌ جيّدةٌ، فَلنرتقبْ». وقد أوشكت المفاوضات السابقة على الوصول إلى غاياتها لكنّها انهارت في نهاية المطاف بعد هجمات طالبان وتصاعد العنف. وستكون العقبة التالية هي المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانيّة تزامنًا مع انسحاب القوّات الأمريكيّة الّذي يعدّ نقطةً مفصليّةً في إنجاح أيّ محادثاتٍ أو إفشالها. ومن المقرّر أن تعقد جميع محادثات السلام الأفغانيّة في موعدٍ لا يتجاوز عشرة أيامٍ بعد الاتّفاق المرتقب بين واشنطن ومتمرّدي حركة الطالبان، وهي قوّةٌ يقاتلها الجيش الأمريكي منذ ما يقارب العقدين من الزمن، أي منذ عمليّة «الحرّيّة الدائمة»، التي انطلقت في تشرين الأوّل / أكتوبر ٢٠٠١. وحتى لو تمكّنت الولايات المتحدة وطالبان من الاتّفاق على أسبوعٍ كاملٍ من تغييب العنف، فإنّ أغلب المراقبين لا يبدون متفائلين، فهم لا يتوقّعون أن تؤتي المفاوضات بين الحكومة الأفغانيّة وطالبان ثمارها فالحوار الداخليّ المطوّل أكثر عرضةً للفشل منه إلى النجاح.
والسؤال الأساسيّ الّذي سيطرح حتّى لو أمرت طالبان مقاتليها بالتنحّي: هل تمتلك المنظّمة القدرة على تنفيذالأمر وضبط عناصرها؟ إذ كما شهدنا لدى العديد من حركات التمرّد الأخرى على مدى العقود العديدة الماضية، فقد يغضب المتشدّدون في صفوف طالبان من احتماليّة التوصّل إلى تسويةٍ عن طريق التفاوض وقد يحاولون إفساد الاتّفاق من خلال شنّ هجماتٍ خطيرةٍ في جميع أنحاء البلاد. ووفقًا لبنود الاتّفاق، وافقت حركة طالبان على الامتناع عن مهاجمة المراكز السكّانيّة الكبرى والمؤسّسات الحكوميّة، ولكنّها أوضحت أن مقاتليها سيدافعون عن أنفسهم ضدّ أيّ شيءٍ قد تتصوّره تعدّيًا من جانب قوّات الأمن الأفغانيّة.
في حال تمكّنت الولايات المتّحدّة من التوصّل إلى اتّفاقٍ مع طالبان، وتمكّنت الأخيرة من التوصّل إلى تفاهمٍ مع الحكومة الأفغانيّة، تبقى مسألة تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش قائمةً، حيث لن يكون التنظيم ضمن أيّ تسويةٍ يُتوصّل إليها عن طريق التفاوض. وأفادت التقارير أنّ هذا التنظيم قد تكبّد خسائر كبيرةً عام ٢٠١٩، على الرّغم من أنّه يحافظ على نواةٍ من المقاتلين شرق أفغانستان، بما في ذلك في مقاطعة نانجارهار، وهي تقع على حدود المناطق القبليّة الخاضعة للحكومة الاتّحاديّة في باكستان. وقد يستفيد التنظيم من المقاتلين الإرهابيّين الأجانب الفارّين من العراق وسوريا الّذين يبحثون عن ساحات قتالٍ جديدةٍ إن لم يكن قد استفاد بالفعل. كما يمكن أن تلعب إيران دورًا حاسمًا في أفغانستان، إمّا من خلال العمل على زعزعة استقرار البلاد من أجل ضرب القوّات الأمريكيّة، أو من خلال المناورات وراء الكواليس للمساهمة في نشر الأمن، سعيًا إلى تسريع المفاوضات الّتي يمكن أن تشهد انسحاب القوّات الأمريكيّة من البلاد بصورةٍ نهائيّةٍ، وهو أمرٌ لطالما رغبت طهران في تحقيقه. وبعد وفاة قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، قد يسعى إسماعيل قاآني، خلَفُه، إلى بسط نفوذ إيران في أفغانستان بعد انسحاب القوّات الأمريكيّة. وسيكون قاآني شخصيًّا قادرًا على قيادة هذا الجهد لأنّه يتميّز بتاريخٍ طويلٍ من العمل في أفغانستان فضلًا عن تدريب أعدادٍ كبيرةٍ من المقاتلين الشيعة الأفغان الّذين قاتلوا داخل البلاد وخارجها.