أوّل الكلام آخره:
• يشكل الانخفاض القياسي لأسعار النفط تحدّيا كبيرا أمام الخطط المستقبلية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خاصة مع اقترانه مع الضغوط الديموغرافية المتزايدة.
• في منتصف نيسان / أبريل، رفض مواطن سعودي يدعى عبد الرحيم أحمد محمود الحويطي التخلي عن منزله تنفيذا لإجراءات استملاك الأراضي اللازمة حتى يتمكن محمد بن سلمان من متابعة مشروعه المتعلق ببناء مدينة نيوم المستقبلية، فما كان من قوات الأمن إلّا أن قتلته واصفة إياه زورا بالإرهابي.
• يواصل الأمير محمد بن سلمان استخفافه بحقوق الإنسان والشفافية بدءا بابتزاز أبناء العائلة المالكة وكبار رجال الأعمال واحتجازهم وتعذيب بعضهم في فندق ريتز كارلتون في تشرين الثاني / نوفمبر 2017، مرورا بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وليس انتهاء بسجن نشطاء حقوق الإنسان.
• وحتى اليوم، تميّزت ولاية محمد بن سلمان بالقبضة الحديديّة، غير أنّ ذلك كان له نتائج عكسية في كثير من الأحيان.
يشكل الانخفاض القياسي لأسعار النفط تحدّيا كبيرا أمام الخطط المستقبلية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خاصة مع اقترانه مع الضغوط الديموغرافية المتزايدة. وقد شملت رؤية الأمير محمد بن سلمان لعام 2030، والتي سوّق لها على أنها تهدف إلى إصلاح قطاعات من الاقتصاد والمجتمع في المملكة العربية السعودية، التخطيط لبناء «مدينة مستقبلية» في نيوم الواقعة على ساحل البحر الأحمر، شمال غرب البلاد. ومن أجل إفساح المجال لبناء المشروع الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، أصدرت السلطات السعودية قرارات فرضت فيها إخلاء المنطقة من القبائل التي عاشت فيها ما يقارب 800 عام. وتعد فكرة إنشاء مدينة نيوم المتطورة ركنا من أركان رؤية محمد بن سلمان المستقبلية للمملكة العربية السعودية، ولكن لا يعرف تماما كيف سيساعد إنشاء هذه المدينة في حل المشاكل الناجمة عن ظاهرة التضخم الشبابي في المملكة، خاصة عند اقترانها بالتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأخرى المرتقبة على مدى العقد المقبل. ومع انخفاض مصادر الإيرادات الناجم عن حرب أسعار النفط السعودية الروسية واحتمال حدوث ركود طويل الأمد بسبب وباء كورونا، من المتوقع ان تنخفض سيولة الحكومة المخصصة للتقديمات اللازمة لإرضاء المواطنين السعوديين. وسيؤدي تراجع العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين إلى مشاكل خطيرة، خاصة في المجتمعات القبلية. ويرجع برنامج الرعاية الاجتماعية السخي إلى زمن مؤسس البلاد، الملك عبد العزيز آل سعود الذي لطالما شعرت قبائل المملكة العربية السعودية بأنها تحظى بالرعاية في عهده وعهد القادة اللاحقين، حتى تغير الحال وبات هذا الشعور موضع تشكيك في ظلّ قرارات الأمير محمد بن سلمان، مما قد يترتب عليه عواقب وخيمة على استقرار المملكة العربية ستتردد أصداؤها في الإقليم وخارجه.
وفي منتصف نيسان / أبريل، رفض مواطن سعودي يدعى عبد الرحيم أحمد محمود الحويطي التخلي عن منزله، فقتلته قوات الأمن السعودية. ولكن الحويطي كان قد توقع مصيره. فقد قام بعد الزيارة الأولية للسلطات وقبل ساعات فقط من مقتله بتصوير شريط فيديو يتوقع فيه قتل قوات الأمن له وأن السلطات السعودية ستصوّر الأمر على أنه مواجهة بينها وبين إرهابي وستعمد إلى تصوير مجموعة من الأسلحة وتزعم أنها وجدتها في مسرح الجريمة. وهذا ما حدث بالفعل. وقد سلط الحادث الضوء مرة أخرى على أسلوب ولي العهد في قتل أي شخص يقف في طريقه. وممّا يشاع أن محمد بن سلمان كان قد حاز قبل تولي والده العرش على لقب «أبي رصاصة» بعد إرساله مغلفا فيه رصاصة واحدة إلى مسؤول في السجل العقاري لتخويفه وإجباره على مساعدته في الحصول بالقوة على قطعة أرض كان بن سلمان قد أرادها لنفسه. وكان محمد بن سلمان قد وعد بتطوير المملكة العربية السعودية وإصلاح مكامن الخلل فيها، ولكن يبدو أنه من الصعب ترك عاداته القديمة، فمنذ عام 2015، نفذت المملكة العربية السعودية 800 عملية إعدام وفقا لبيانات منظمات حقوق الإنسان. وهذا يجعل نسبة الإعدامات في المملكة تبلغ ضعف ما كانت عليه قبل عهد الملك سلمان.
وللمضي قدما في مشروع نيوم، من المتوقع تهجير ما يعادل 20,000 مواطن من المواطنين وأبناء القبائل في محافظة تبوك الواقعة في الشمال الغربي للمملكة. وقد قدمت الحكومة السعودية عروضا لتعويض السكان لم تر فيها بعض القيادات القبلية إلّا إهانة لها، مما قد يؤدي إلى خلافٍ بين السلطات والمواطنين ولا سيّما أبناء القبائل منهم. ويعدّ السكان المحليون هذه المنطقة أراضي أجدادهم، ولا يمكن تفسير التهجير القسري لا سيما تحت التهديد الضمني بالاحتجاز أو الموت، إلا خطوة قصيرة النظر من محمد بن سلمان وقد يترتب عليها نتائج عكسية مع مرور الوقت. وحتى اليوم، تميّزت ولاية محمد بن سلمان بالقبضة الحديديّة، غير أنّ ذلك كان له نتائج عكسية في كثير من الأحيان. ويواصل محمد بن سلمان استخفافه بحقوق الإنسان والشفافية، بدءا بابتزاز أبناء العائلة المالكة وكبار رجال الأعمال في المملكة واحتجازهم في فندق ريتز كارلتون في تشرين الثاني / نوفمبر 2017، وتعذيب بعضهم، بحسب مصادر صحفية وتقارير منظمات حقوق الإنسان، مرورا بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وليس انتهاء بسجن نشطاء حقوق الإنسان. وهذا اتجاه خطير تسلكه المملكة، فسجن النشطاء وقمع كل اشكال المعارضة من شأنهما أن يزيدا من حدة التوترات في مجتمع متجه نحو الإحباط ويحكم بقبضة من حديد.
وقد كشفت الأخطاء المتكررة على الصعيدين المحلي والدولي خطورة قرارات محمد بن سلمان وذلك لسذاجتها وبعدها عن الاحترافيّة في الحكم والسياسة. وقد أثبتت خياراته السياسية الخارجية بما في ذلك الحرب الفاشلة في اليمن والتعامل مع تداعيات جريمة قتل جمال خاشقجي، سلوكه المتهور وافتقاره إلى الخبرة على الساحة الدولية. كما أدت الإجراءات السعودية في اليمن إلى تدمير البلد المجاور للملكة وخاصّة ما تبقى من البنى التحتية الصحية، والتي كانت هشّة بالأساس، حيث دمرت الغارات الجوية العشوائية لقوى التحالف السعودي المستشفيات والعيادات الصحية، مما يعني أن اليمن لن يكون قادرا على التعامل مع وباء كورونا المتفشي في المنطقة والعالم. ولا شيء يظهر فشل هذه الحرب كسلوك الإمارات العربية المتحدة، حليفة المملكة، والّتي يبدو أنّها باتت تتقدّم أشواطا على السعوديين ولا تلتزم إستراتيجيّاتهم، فقد أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات، ومقرّه عدن، الحكم الذاتي، وهي الخطوة التي وصفتها الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بالخطيرة.