أوّل الكلام آخره:
- كشف وباء كورونا (كوفيد-١٩) عن نقاط ضعف أساسية في العديد من البلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبية، ظهرت وهي تكافح لوقف موجة الحالات الجديدة والتعامل مع التحدي الذي تمثله الحالات القائمة.
- لاحظت البلدان التي تتطلع عادة إلى الولايات المتحدة في وقت الأزمات فشل واشنطن في التعامل مع فيروس كورونا. وعليه، أدارت هذه البلدان وجهتها نحو الصين.
- رغم احتياج الشعب الأمريكي لمعدات اختبار فيروس كورونا، لا يبدو أن القيادة الأمريكية قادرة على تأمينها خلال هذه الفترة.
- واصل الرئيس ترامب التقليل من شأن التهديد الذي يشكله فيروس كورونا حتى بعد صدور عدد من الخلاصات السرية للاستخبارات على مدى شهري كانون الثاني / يناير وشباط/فبراير.
كشف وباء كورونا (كوفيد-١٩) عن نقاط ضعف أساسية في العديد من البلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبية، ظهرت وهي تكافح لوقف موجة الحالات الجديدة والتعامل مع التحدي الذي تمثله الحالات القائمة. وعلى الرغم من أن جزءا كبيرا من اللوم يقع على عاتق الصين للتكتم عن الأعراض المبكرة التي تحولت إلى وباء، فإن بكين تسعى الآن إلى الظهور بصورة المنقذ، حيث تؤمن الأقنعة ومعدات الاختبار للبلدان في جميع أنحاء العالم. وقد سلطت وسائل الإعلام الصينية الضوء على تواصل البلاد مع أوروبا وأفريقيا وآسيا، مقارنة ذلك بحال الولايات المتحدة التي تعاني من نقص في معدات الاختبار وأسرّة المستشفيات، وحتى من الضروريات الأساسية مثل معدات الحماية الشخصية للأطباء والممرضين والعاملين في المجال الطبي مع ارتفاع حالات الإصابة بوباء كورونا (كوفيد-١٩)، وذلك على عكس فترات الأزمات السابقة، كفترات وباء فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز وأزمة الإيبولا عام ٢٠١٤، التي تحمّلت فيها الولايات المتحدة مسؤوليّة دوليّة. ومع انتشار وباء كورونا (كوفيد-١٩)، يتّضح افتقار واشنطن إلى القدرة على امتلاك زمام المبادرة، وهذا قد تعقبه تداعيات طويلة الأمد تتجاوز الأزمة الحالية.
ومن خلال تقديم الإمدادات الضروريّة وإرسال العلماء الصينيين والخبراء الطبيين لتقديم المشورة، تستخدم الصين الدبلوماسية والقوة الناعمة لإعادة خلق السرديّة المحيطة بـوباء كورونا (كوفيد-١٩). والمؤشرات الأولى تظهر نجاح مساعيها حتى الان. وقد لاحظت البلدان التي تتطلع عادة إلى الولايات المتحدة في وقت الأزمات فشل واشنطن، وأوروبا أيضا، في التعامل مع فيروس كورونا. وعليه، أدارت هذه البلدان وجهتها نحو الصين. وكان الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش قد أعلن أنه عندما يتعلق الأمر بالمساعدة في مكافحة فيروس كورونا، فإنّ «البلد الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا هو الصين»، كما شبّه بشكل غير مباشر التضامن الأوروبي بالقصة الخرافية التي لا وجود لها على الإطلاق. وقد أدت جهود التضليل الإعلامي الروسية إلى تفاقم التوترات القائمة وتعقيد الاستجابات الحكومية.
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة تتراجع بوصفها القوة العالمية الأولى منذ فترة من الوقت. ولم يكشف هذه الحقيقة الصعبة إلّا وباء كورونا (كوفيد-١٩). ومن خلال التخلي عن القيادة في زمن التحديات الأكثر إلحاحا في عصرنا، من مكافحة تغير المناخ إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، سمحت الولايات المتحدة لبلد استبدادي مثل الصين بالسيطرة على سرديّة وباء كورونا، وذلك من خلال حصول بكين على إمكانية الوصول والتأثير من خلال توفير حزم مساعدات سخية وإعانات أجنبية. ولم تستشر إدارة ترامب الدول الأوروبية أو تبلّغها بقرار حظر السفر على مواطنيها. فاستغلّت الصين هذا الخلاف بشكل فعّال في العلاقات عبر الأطلسيّة. وكان الألمان غاضبين عند نشر خبر يفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يسعى بقوة لشراء شركة كيورفاك، وهي شركة أدوية حيوية ألمانية، من أجل الحصول على «احتكار حصري» للقاح فيروس كورونا المحتمل. وبالنسبة إلى مؤيدي الرئيس ترامب، فإن هذا يندرج ببساطة ضمن نهج «أمريكا أوّلا». أما بالنسبة لبقية العالم، فإنه يظهر أميركا بعيدة كل البعد عن الواقع، إذ لم تعد رمزا للأمل كما كانت لمئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم لعقود من الزمان.
ورغم احتياج الشعب الأمريكي لمعدات اختبار فيروس كورونا، لا يبدو أن القيادة الأمريكية قادرة على تأمينها خلال هذه الفترة. وقد واصل الرئيس ترامب التقليل من شأن التهديد الذي يشكله فيروس كورونا حتى بعد صدور عدد من الخلاصات السرية للاستخبارات على مدى شهري كانون الثاني / يناير وشباط/فبراير. ففشل القيادة يتعدّى الصعيد الدوليّ، على الرغم من أنّه المكان الذي ربما يكون أكثر وضوحا. فعلى الصعيد المحلّيّ، اضطر الأمريكيون إلى الاعتماد بعضهم على بعض وعلى منظمات المجتمع المدني والحكومات المحلية وحكومات الولايات لتعويض أخطاء الحكومة الاتحاديّة. وفي الوقت نفسه، وبعد إدراك الأخطار المترتبة عن فيروس كورونا، اختار عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المدركين لهذه الأخطار، أن يأخذوا هذا الوقت لبيع أسهم وسندات بملايين الدولارات، بدلا من نقل التهديد إلى الرأي العام الأميركي. وتخوض الولايات المتحدة سباقا محموما إلى القاع، وإذا تعافت البلاد من الكارثة، فسيكون ذلك على الرغم من إدارة ترامب، وليس بفضلها، إذ إنها أظهرت فشلا في القيادة الأخلاقيّة بات مكشوفا أمام البلاد والعالم أجمع.