أوّل الكلام آخره:
- قد توفر تداعيات وباء كورونا دعما قويا للمتطرفين من مختلف الأطياف الأيديولوجية.
- يرى المتطرفون الدينيون والجماعات اليسارية المتطرفة والعنصريون البيض أنّ الفرص متاحة لهم اليوم لتعزيز أيديولوجياتهم وسرديّاتهم بوصفها تفسيرا للدمار الكبير الذي سببه انتشار الوباء، وطريقة مثلى للتعامل معه.
- من الممكن أن يساهم توظيف تكنولوجيات مراقبة المواطنين (بحجة مكافحة الوباء) في الشعور العام بالمرارة.
- قد يوفر الاعتماد المتزايد على استخدام تكنولوجيات معينة في أعقاب الوباء كالطائرات المسيّرة المستخدمة لإيصال الطرود فرصا جديدة للإرهابيين للابتكار التكتيكي.
قد توفر تداعيات وباء كورونا دعما قويا للمتطرفين من مختلف الأطياف الأيديولوجية. ويعد وباء كورونا حدثا فريدا للجماعات الإرهابية والمتطرفة يوفر لها فرصة لتعزيز أيديولوجياتها وسردياتها أو الترويج لها. كما سيؤثر انتشار الوباء على مستوى العالم في إحداث سلسلة من المظالم الجديدة، ومفاقمة مشاعر المظلومية القائمة بالفعل والتي تعود إلى العرق والدين والاقتصاد والبيئة. وسيؤدي انتشار المعلومات المضللة الرامية إلى زرع الفوضى والارتباك إلى زعزعة الاستقرار، مع استغلال التصدعات المتزايدة في المجتمع ودفعه نحو مزيد من الاستقطاب.
سيحاول المتطرفون الدينيون تصوير الوباء على أنه من تجلّيات المشيئة الإلهية، وسيدعون إلى التمسك بالفتاوى الدينية المتشددة. ومن الواضح أيضا أن الجماعات الإرهابية التي تحمل دوافع دينية، بما في ذلك حركة طالبان وحركة الشباب وتنظيم داعش، ستسعى إلى الاستفادة من وباء كورونا من خلال توفير الخدمات للسكان في المناطق التي تكون فيها الدولة ضعيفة أو غائبة بالكليّة. وهذا بدوره سيسمح لهذه الجماعات بتعزيز ادعاءاتها بالشرعية السياسية. وقد استغلت الجماعات الجهادية على وجه الخصوص وباء كورونا لزيادة وتيرة عملياتها، بما في ذلك في منطقة الساحل، وكذلك في مناطق واسعة من شرق أفريقيا. وسوف تصور الجماعات اليمينية، بما في ذلك جماعات العنصريين البيض، الوباء على أنه مرتبط بالمهاجرين وغير البيض. وبالنسبة للجماعات اليمينية، تعزز الأزمة الحاجة إلى إقامة حدود قوية وتبنّي سياسات شعبوية، سيسلّط الضوء عليها بوصفها الحل الأنجع لمنع تفشي الوباء في المستقبل. ويلحظ في هذا السياق ازدياد ظاهرة كراهية الأجانب الآسيويّين فهم محلّ استهداف اليوم بجرائم الكراهية في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أنّ الجهاديين والعنصريين البيض يغطّون اليوم على التطرف اليساري، إلا أن وباء كورونا كشف عن العديد من قضايا الاقتصاد والبيئة التي طالما روجت لها مجموعات عديدة من المنظمات اليسارية. ويتوقع الكثير من المراقبين أن يؤدي الوباء إلى ركود يشل الاقتصاد، وربما إلى كساد، وتدهور في الظروف الاجتماعية والاقتصادية لملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، والمساهمة في زيادة التفاوت بين الأثرياء والفقراء. ومن المهم ملاحظة أن هذه التوقعات ليست في مجملها من صنع خيال الثوريين اليساريين، فقد ازداد التفاوت الاقتصادي على الصعيد العالمي بالفعل، ويبرز اتجاه متزايد نحو تركز الدخل والثروة بين مجموعات صغيرة من أصحاب الثروات. ويشير التقرير الاجتماعي العالمي للأمم المتحدة لعام ٢٠٢٠ إلى أن ثلثي سكان العالم يعيشون في دول ازدادت فيها ظاهرة التفاوت الطبقي. وهذا بدوره قد يدفع الأفراد أو الجماعات الصغيرة إلى الانخراط في العنف السياسي من أجل لفت الانتباه إلى قضيتهم في محاولة لفرض تغييرات في السياسات. كذلك، أثبت وباء كورونا أن تغير المناخ والتدهور البيئي يرتبطان ارتباطا وثيقا بالصحة العامة العالمية. ومن المرجح أن يزداد التهديد المحتمل للإرهاب الإيكولوجي في الأشهر والسنوات المقبلة، حيث يمكن للجماعات التي تشكلت على غرار ما يدعى «جبهة تحرير الأرض» أن تسعى إلى التخريب الاقتصادي والتهديد بالعنف للفت الانتباه إلى قضاياها. ومن المحتمل أن يزداد بروز المتطرفين الآخرين المعروفين باسم متطرفي الاهتمامات الخاصة، بمن فيهم الناشطون المتطرفون في مجال حقوق الحيوان، استجابة لوباء كورونا. على أنّ العديد من مراقبي العنف السياسي يرون أنّ احتمال ارتكاب جماعات الاهتمامات اليسارية والخاصة المذكورة أعلاه لأعمال إرهابية أقل من احتمال قيام متطرفي العنصريين البيض والجماعات اليمينية المتطرفة بها.
كما يتيح الوباء أمام أشكال أخرى من التطرف فرصة الازدهار. ولعلّ بعضها سيكون نتاجا غير مباشر للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الواسعة النطاق التي ستحدث في الوقت الذي يكافح فيه العالم انتشار الوباء. ومن الاحتمالات المتوقعة، أن يسرّع هذا الوباء التحرك نحو التشغيل الآلي وزيادة الاعتماد على الروبوتات. وهذا قد يؤدّي إلى بروز نزعة معادية للتكنولوجيا على نطاق أوسع، إذ سوف ترتبط بفقدان الوظائف. وقد يرى الكثيرون في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة الكمية تهديدات لسبل عيش الأفراد، بدلا من عدّها فرصا للتقدم ورفعا للكفاءة. وقد تسبّب وباء كورونا بالفعل بانتشار نظريّة مؤامرة شعبية مفادها أن الوباء مرتبط باستخدام شبكة الجيل الخامس، وقد أدى هذا إلى ارتفاع حاد في الهجمات المضرة بالبنية التحتية للاتصالات. ومن الممكن أن يساهم توظيف تكنولوجيات مراقبة المواطنين (بحجة مكافحة الوباء) في الشعور العام بالمرارة. وعلاوة على ذلك، قد يوفر الاعتماد المتزايد على استخدام تكنولوجيات معينة في أعقاب الوباء كالطائرات المسيّرة المستخدمة لإيصال الطرود فرصا جديدة للإرهابيين للابتكار التكتيكي.