أوّل الكلام آخره:
- أدّى انتشار فيروس كورونا إلى تفاقم المشاكل المعروفة التي تواجهها حكومات الشرق الأوسط ومجتمعاته.
- يمكن أن تصبح أزمة وباء كورونا حادة بشكل خاص في البلدان التي تعصف بها الصراعات حيث الدولة ضعيفة أو غائبة أصلا.
- سيسهم قرار ولي عهد السعودي محمد بن سلمان بمحاولة استعادة الهيمنة على سوق النفط العالمية في زيادة الضغط على الموارد الإقليمية اللازمة لمكافحة أزمة كورونا.
- كشفت أزمة كورونا عن العواقب الإنسانية لحملة «الضغط الأقصى» التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران.
وصل فيروس كورونا الجديد لأول مرة إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال تفشيه بشكل كبير في مدينة قم المقدسة في إيران، حيث انتشر من هذه النقطة داخل إيران، ومن ثم انتشر أكثر في جميع أنحاء المنطقة مع عودة زوار الأضرحة في إيران إلى بلادهم الأم. كما وأضيفت أزمة كورونا إلى لائحة التحديات التي تواجهها منطقة تقترب فيها كثير من الدول من الوقوع في الفشل التامّ إن لم تقع فيه بالفعل على نحو لم يشهده تاريخ المنطقة الحديث قط. ولا تزال الصراعات متأججة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وأفغانستان، ولا تمارس الحكومات في هذه البلدان سلطة واضحة إلا على أجزاء معينة من أراضيها. وفي عدة أجزاء أخرى من المنطقة، مثل قطاع غزة ولبنان، تعمل الميليشيات والفصائل المسلحة كـ «دولة داخل دولة» وتحد من سلطة الحكومات المركزية المعترف بها. ويعيش عدد كبير من اللاجئين والمشردين داخليا في ظروف غير صحية وفي ظل ازدحام قد يؤدي إلى انتشار الوباء في العديد من بلدان المنطقة. وحتى قبل جائحة كورونا، أدى النزاع في اليمن بالفعل إلى تفشي الكوليرا بشكل كبير في البلاد.
ويؤدي الافتقار إلى الحكم الفعال في العديد من بلدان المنطقة إلى تعقيد الجهود التي تبذلها الحكومات ووكالات الصحة العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، لتنفيذ الحجر الصحي الانتقائي وحظر السفر وإغلاق الحدود وغيرها من التدابير للحد من انتشار الفيروس. ومما يفاقم التحديات التي تواجه الحكومات الإقليمية هو أن كل سلطة سياسية تقريبا في المنطقة لديها بالفعل مكوّنات اجتماعية تشكك إلى حد كبير في التصريحات والإحصاءات الرسمية وتقاوم إجراءات السلطة المركزية. ولا ينبغي أن ننسى أنّ حكومتي العراق ولبنان كانتا تواجهان حركات تمرد شعبية كبيرة في الوقت الذي ظهرت فيه أزمة كورونا.
وقد ضاعفت سياسات بعض الحكومات، فضلا عن بعض السياسات الأمريكية القائمة مسبقا تجاه المنطقة، من التحديات التي يفرضها الانتشار المتواصل لفيروس كورونا. وفي خضم الأزمة الصحية العالمية الناشئة، كان زعيم المملكة العربية السعودية بحكم الأمر الواقع، ولي العهد محمد بن سلمان قد شن «حربا» على أسعار النفط مع روسيا بعد أن رفضت الأخيرة اقتراح أوبك بخفض الإنتاج. ويمثل خفض الإنتاج محاولة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية الذي يعاني من انهيار الطلب العالمي. وأمر محمد بن سلمان بخفض أسعار صادرات النفط وزيادة الإنتاج بشكل كبير في محاولة لإجبار روسيا على العودة إلى طاولة المفاوضات ولتوجيه ضربة كبيرة لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. ومع ذلك، تسبب قرار محمد بن سلمان في انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، مما أضعف قدرة جميع منتجي الخليج الفارسي على تمويل الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة أزمة كورونا.
وانضمت عدة حكومات، منها روسيا والصين، إلى دعوة إيران لرفع العقوبات الأمريكية عنها بوصفه أمرا ضروريا كي تتعامل بفعالية مع تفشي وباء كورونا، حيث يفوق عدد الإيرانيين المصابين والقتلى بسبب المرض أضعاف الأعداد في الدول الإقليمية الأخرى. وتسببت العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها عندما انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف عام ٢٠١٥ في توقف الشركات العالمية عن التعامل مع إيران، بما في ذلك المعاملات الخاصة بالمعدات الطبية المعفاة من العقوبات الأمريكية. وتؤكد إيران ومنتقدون آخرون أنّ العقوبات الأمريكية هي المسؤولة جزئيا عن نقص معدات الحماية الشخصية وأجهزة التنفس الصناعي والأدوية التي تحتاجها إيران للتعامل مع أزمة فيروس كورونا في البلاد، ولكن المسؤولين الأمريكيين نفوا هذا الاتهام، وألقوا باللوم على سوء الإدارة وافتقاد الكفاءة في إيران. ومع ذلك، وبالإشارة إلى أن الانتقادات أضعفت جهود الولايات المتحدة لبناء تحالف مناهض لإيران، عرضت الولايات المتحدة على إيران مساعدات إنسانية تتعلق بوباء كورونا وأصدرت توجيهات جديدة توضح أن العقوبات الأمريكية لا تنطبق على المبيعات الطبية لإيران. ويزيد وباء كورونا من تعقيدات العديد من الأزمات الأخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط في وقت يشعر فيه المجتمع الدولي بأنه بلا قيادة، بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن دورها القيادي في المنطقة. ولن يعقب ذلك إلا المزيد من الاضطرابات وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يسعى خصوم الولايات المتحدة إلى سدّ الفجوة القيادية.