أوّل الكلام آخرُه:
- واجهت إيران حقباتٍ متقطّعةً من غياب الاستقرار خلال العقود الّتي تلت نشأة الجمهوريّة الإسلاميّة عام 1979 إلّا أنّ الوضع الراهن والّذي بدأت ملامحه تتشكّل مع بداية عام 2020 هو مميّزٌ لعددٍ كبيرٍ من الأسباب.
- يعتقد بعض المحتجّين الإيرانيّين أنّ المسؤولين في أعلى هرم السلطة الإيرانيّة مسؤولون وأنّه من الواجب أن يُحاسبوا.
- وأطلق المتظاهرون شعاراتٍ وأهازيج من ضمنها «الموت للكاذبين» و«الموت لرجال الدين».
- ويدعو بعض المحلّلين الحكومة الأمريكيّة إلى الموازنة بين دعم الاحتجاجات المنادية بالإصلاحات الديمقراطيّة وإدراك أنّ مثل هذا الدعم قد يسمح للعديدين بمهاجمة الولايات المتّحدة الأمريكيّة بسبب تدخّلها في الشؤون الإيرانيّة الداخليّة.
واجهت إيران حقباتٍ متقطّعةً من غياب الاستقرار خلال العقود الّتي تلت نشأة الجمهوريّة الإسلاميّة عام 1979 إلّا أنّ الوضع الراهن والّذي بدأت تتشكّل ملامحه مع بداية عام 2020 هو مميّزٌ لعددٍ كبيرٍ من الأسباب. ومنها أنّ موجة الاحتجاجات الحاليّة كانت قد ابتدأت قبل تصاعد التوتّرات بين إيران والولايات المتّحدة الأمريكيّة بُعَيْد اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في الثالث من كانون الثّاني/ يناير. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أفادت تقارير موثوقةٌ بأنّ قوّات الأمن الإيرانيّة قد قتلت مئات المتظاهرين. وعمدت طهران مرارًا وتكرارًا إلى حجب النفاذ إلى شبكة الإنترنت عن مواطنيها الأمر الّذي جعل من عمليّة توثيق الصحافيّين المحلّيّين للأحداث مهمّةً صعبةً وخطرةً. وبالتزامن مع ذلك وقعت احتجاجاتٌ منفصلةٌ في العراق حيث ندّد المحتجّون بالتدخّل المباشر والمتزايد للحكومة الإيرانيّة في تمويل الميليشيات الموالية لها والّتي تمتلك نفوذًا ضخمًا في الشأن العراقيّ ومدّها بالسلاح.
إلّا أنّ إسقاط طائرة الرحلة 752 التابعة للخطوط الدوليّة الأوكرانيّة في الثامن من كانون الثاني/ يناير الجاري أثناء قصفٍ صاروخيٍّ إيرانيٍّ على القوّات الأمريكيّة في العراق أشعل فتيل الغضب في صفوف مناوئي النظام الإيرانيّ. فخلال الليلة الّتي استهدفت فيها القوّات الإيرانيّة القواعد العسكريّة في العراق كانت الدفاعات الجوّيّة الإيرانيّة بجهوزيّةٍ تامّةٍ. وقد انطلقت الرحلة 752 من مطار طهران إلّا أنّها أُسقطت بصاروخين أرض جوّ أطلقتهما القوّات الإيرانيّة ظنًّا منها أنّها طائرةٌ معاديةٌ. وفي بدء الأمر كذّبت الحكومة الإيرانيّة الخبر ونفت مسؤوليّتها عن وقوع الحادث الّذي قُتل جرّاءه 176 شخصًا، مؤكّدةً أنّ سبب سقوط الطائرة هو خطأٌ تقنيٌّ. ولكن وبعد أن نُشرت تحليلاتٌ تابعةٌ لمصادر استخباراتيّةٍ مفتوحةٍ مثل مجموعة بيلنغ كات اعترف النظام الإيرانيّ بمسؤوليّته عن وقوع الحادثة المأساويّة الأمر الّذي أطلق موجةً من الغضب والاحتجاجات في الشارع.
وبما أنّ كذب الحكومة الإيرانيّة في بدء الأمر بات مؤكّدًا، نزل المتظاهرون إلى الشوارع بأعدادٍ ضخمةٍ مندّدين بهذا العمل. وانتشرت موجةٌ من السخط في صفوف الإيرانيّين بسبب قتل حكومتهم لمدنيّين أبرياء معظمهم من الإيرانيّين أو لهم صلاتٌ عائليّةٌ بأفرادٍ إيرانيّين. وإلى جانب الخسائر الضخمة فإنّ التهرّب من المسؤوليّة فاقم من حدّة الموقف. وفي حين وصفت الحكومة هذا الحادث «بالخطأ غير المغفور» ووعدت بتحقيق العدالة إلّا أنّ المحتجّين لم يعيروا هذه الوعود اهتمامًا وأطلقوا شعاراتٍ مثل «الموت للكاذبين» و«الموت لرجال الدّين». ويعتقد بعض المحتجّين الإيرانيّين أنّ المسؤولين في رأس هرم السلطة الإيرانيّة مسؤولون أيضًا عن هذه الحادثة الأليمة بمن فيهم المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة آية الله السيّد علي خامنئي، وأنّه من الواجب أن يُحاسب هؤلاء. وتُعدّ هذه الأحداث تطوّرًا هامًّا في الساحة الإيرانيّة. وتفيد بعض التقارير أنّ الحكومة قمعت الناشطين واعتقلت شخصًا يمتلك تسجيلًا مصوّرًا يُظهر عمليّة إطلاق الصاروخ على الطائرة الأوكرانيّة، في حين أُقفلت بعض الوسائل الإعلاميّة، واحتُجز السفير البريطانيّ بتهمة المشاركة في الاحتجاجات، ومُنع بعض الإصلاحيّين من المشاركة في الانتخابات المقبلة ممّا أدّى إلى انطلاق حملةٍ تدعو إلى مقاطعة الانتخابات.
ونشر الرئيس ترامب تغريداتٍ داعمةً للمتظاهرين وحذّر طهران بشدّةٍ من قتل هؤلاء المحتجّين. إلّا أنّ واشنطن قادرةٌ على القيام بالمزيد من أجل الضغط على الحكومة الإيرانيّة وذلك أبعد من حدود حملة العقوبات الّتي تعتمدها اتّجاه إيران وهي حملة الضغوطات القصوى. وتُظهر هذه الاحتجاجات أنّ الحركة الداعمة للإصلاح باتت واسعة النطاق في إيران وأنّ سخطًا ينتشر بين المواطنين الإيرانيّين على الاستبداد السياسيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الناشطين والصحافيّين المقيمين في إيران يُعرّضون أنفسهم إلى خطرٍ ضخمٍ عند مطالبتهم بالإصلاحات كما هي الحال بالنسبة لآلاف المتظاهرين الّذين ينزلون إلى الشوارع بشكلٍ علنيٍّ للاحتجاج منذ أشهرٍ عدّةٍ. إلّا أنّ خلق زخمٍ كافٍ لفرض إصلاحاتٍ في إيران سيكون عملًا صعبًا. ويدعو بعض المحلّلين الحكومة الأمريكيّة إلى الموازنة بين دعم الاحتجاجات المنادية بالإصلاحات الديمقراطيّة وإدراك أنّ مثل هذا الدعم قد يسمح للعديدين بمهاجمة الولايات المتّحدة الأمريكيّة بسبب تدخّلها في الشؤون الإيرانيّة الداخليّة.