أوّل الكلام آخره:
- تعزّز زيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة إلى سوريا جهود الرئيس بشار الأسد لفك العزلة عن نظامه التي تسبب بها رد الفعل العسكري العنيف الذي ووجهت به الانتفاضة الشعبية.
- تفاعل الإمارات مع الأسد يغذي الانتقادات بأن الدولة الخليجية تدعم «الثورات المضادة» للثورات الشعبية التي اندلعت في وجه بعض القادة العرب.
- يتواصل قادة الإمارات مع الأسد في مسعى منهم لموازنة النفوذ الإيراني في سوريا وتوسيع نطاق التحالفات ضد الحركات الإسلامية الإقليمية.
- انتقدت الولايات المتحدة زيارة المسؤولين الإماراتيين إلى دمشق ويمكنها إن شاءت أن تفرض عقوبات على الشركات الإماراتية التي تتعامل مع نظام الأسد ومؤسسات الحكومة السورية.
في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)، التقى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في دمشق بالرئيس السوري بشار الأسد، وهي زيارة تحمل تداعيات كبيرة على نظام الأسد والإمارات والمنطقة برمّتها. وفي حين فاجأت الزيارة نفسها المراقبين الإقليميين لأنها تمنح الأسد فرصة لفك عزلته الإقليمية، فإن الرحلة مثلت تطورًا في سياسة الإمارات تجاه الأسد وليس انقلابا عليها. وفي الوقت الذي عزز فيه الأسد قبضته على السلطة مرة أخرى خلال السنوات القليلة الماضية، كانت الإمارات العربية المتحدة على رأس الدول العربية التي كانت تبذل الجهود لتطبيع العلاقات مع دمشق. ففي وقت سابق من عام 2021، دعا المسؤولون الإماراتيون علنًا إلى إعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية؛ وكانت عضوية سوريا قد علّقت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 بسبب استخدام النظام للجيش لقمع التمرد الشعبي الذي اندلع في وقت سابق من ذلك العام في سياق انتفاضات «الربيع العربي» التي عمّت المنطقة. وبعد عشر سنوات من الحرب الأهلية في سوريا قُتل فيها أكثر من 350 ألف شخص وارتكب فيها النظام عددًا لا يحصى من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في عام 2018. وموقف الإمارات ليس فريدًا في المنطقة، فقد تواصلت الأردن ومصر، وهما حليفان مقربان للولايات المتحدة، مع الأسد أيضا. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله علنا مع الأسد للمرة الأولى منذ عقد، وأعيد فتح الحدود بين البلدين للتجارة. كما التقى وزير الخارجية المصري نظيره السوري في سبتمبر (أيلول)، وهو أرفع اتصال بين البلدين منذ 2011.
وتتسق الدوافع وراء انخراط الإمارات الموسع مع نظام الأسد مع الأهداف الإقليمية العامة للدولة والمتمثلة باحتواء النفوذ الإقليمي لإيران ومحاربة الحركات الإسلامية الإقليمية. وقد عارضت الإمارات العربية المتحدة باستمرار جماعة الإخوان المسلمين وفروعها، على وجه الخصوص، بوصفها تهديدا للإمارات نفسها ولحكومات عربية أخرى. وينتمي بعض الجماعات المناهضة للأسد وبعض شخصيات المعارضة في سوريا إلى جماعة الإخوان المسلمين، وقد رأى قادة الإمارات منذ فترة طويلة في الحكومة العلمانية البعثية في دمشق تطويقا لهذه الجماعات. ولكن جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى لعبت دورا محوريًا في المطالبة على مستوى المنطقة بمزيد من المشاركة السياسية الشعبية في الحكومات والمزيد من مساءلة القادة العرب. وقد أدى دعم الإمارات العربية المتحدة للقادة العرب الراسخين الذين يواجهون معارضة من الإسلاميين، بما في ذلك الإخوان، إلى انتقادات دولية للإمارات بوصفها داعمة «للثورات المضادة». وفي إطار مواجهة الحركات الإسلامية يمكن تفسير معارضة الإمارات أيضا النفوذ الإقليمي لكل من تركيا وقطر اللتين تدعوان إلى الانخراط مع الحركات الإسلامية في سوريا والمنطقة، ولا سيما منها الحركات التي تقبل بالمشاركة السلمية في العملية السياسية. ويأمل قادة الإمارات أيضًا في توظيف انفتاحهم على الأسد لموازنة النفوذ الإيراني، فقد كان لإيران دور فعال في هزيمة التمرد المسلح. ولعل من الثمار الفورية لزيارة عبد الله بن زايد في هذا الإطار تأكيد المسؤولين السوريين في أعقاب الزيارة أن غارة الطائرات بدون طيار الإيرانية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) على القاعدة الأمريكية في التنف شرق سوريا كانت «مخالفة لإرشادات النظام». وقد كان التعليق بمثابة توبيخ سوري نادر لداعميه الإيرانيين.
ولكن هذا الانفتاح الإماراتي على سوريا ووجه بانتقادات من حلفاء رئيسيين، ولا سيما الولايات المتحدة. وتعارض واشنطن الجهود المبذولة لإعادة تأهيل نظام الأسد إلى أن يُحرَز تقدم ملموس نحو حل سياسي للصراع. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن الولايات المتحدة قلقة من «الإشارة التي ترسلها هذه الزيارة»، وأضاف أن الولايات المتحدة «تحث الدول في المنطقة على النظر بعناية في الفظائع التي يرتكبها هذا النظام، والتي قام بها بشار الأسد نفسه بحق الشعب السوري على مدى العقد الماضي، فضلًا عن إعاقة النظام المستمرة لوصول المساعدات الإنسانية وتحقيق الأمن في أجزاء كبيرة من البلاد».
وتثير سياسة الإمارات العربية المتحدة التساؤل عما إذا كانت الشركات الإماراتية التي قد تستثمر في الاقتصاد السوري قد تواجه عقوبات أمريكية. وقد قال مسؤولون أمريكيون إن إدارة بايدن لن ترفع العقوبات عن سوريا، بما في ذلك الإجراءات التي يمكن أن تجمد أصول أي شخص يتعامل مع سوريا، بغض النظر عن الجنسية. ويخضع قانون قيصر أي شركة تتعامل مع شخصيات الحكومة السورية وكيانات النفط والغاز والبناء المملوكة للدولة والكيانات المصرفية الحكومية ولا سيما البنك المركزي لعقوبات أمريكية. ولكن القيادة الإماراتية تقدر بلا شك أن العقوبات الأمريكية تُطبق على الخصوم بشكل أكثر صرامة من تطبيقها على الحلفاء – ولا سيما الحلفاء الذين لهم أهمية بالغة لأمن الولايات المتحدة مثل الإمارات العربية المتحدة التي تستضيف أعدادًا كبيرة من القوات العسكرية الأمريكية في منشآتها الجوية والبحرية. ويبدو أن قيادة الإمارات العربية المتحدة ترى أن ميزان الفوائد الاستراتيجية والاقتصادية للتواصل الرفيع المستوى مع الأسد يعلو على ميزان الخطر الضئيل نسبيًا من العقوبات الأمريكية المحتملة. ومن ناحية أخرى، فإن أي تردد من جانب الولايات المتحدة في فرض عقوبات على الإمارات قد يشير إلى لاعبين إقليميين آخرين بأن المجال بات مفتوحا لاستئناف التعامل مع نظام الأسد، وأن الاعتبارات الاستراتيجية قد تغلبت مرة أخرى على اعتبارات حقوق الإنسان.