هذا المقال بالشراكة مع منصة التحقق من الصورة Truepic
الكورونا تدمر اليمن الذي مزقته الحرب وتوصله إلى حافة الانهيار
قال الدكتور مهدي مهدي عبد القوي، رئيس وحدة العناية المركزة في مستشفى عدن الألماني الدولي في محافظة لحج شمالي اليمن، إن «السلطات لم تكن تصدق أن فيروس كورونا موجود في اليمن على الإطلاق، على الرغم من أن الفيروس كان ينتشر بشكل كبير، وحالات الوفيات تتزايد».
وكان الدكتور عبد القوي من أوائل الذين علموا رسميًا في أوائل شهر نيسان عام 2020 أنه مصاب بالكورونا. وقد قضى عشرة أيام في الغيبوبة قبل أن يتعافى ليعود بعد ذلك إلى العمل في المستشفى.
وقد استمع فريق إعداد التقارير في مركز صوفان إلى النازحين والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمنظمات الإنسانية في عدن ولحج حول جهود الوقاية المتعلقة بتفشي وباء الكورونا في اليمن، باستخدام منصة التحقق من الصورة Truepic من أجل تسجيل المقابلات والمساعدة في التأكد من دقة التقارير وصحتها. كما زار الفريق أيضًا مقبرة في عدن حيث دفن ضحايا الكورونا. وقد أُجريت المقابلات في نهاية شهر حزيران 2020.
وقالت أميمة الخضر، وهي ناشطة مدنية في لحج أصيبت سابقًا بالفيروس أيضًا، «إن قلة الوعي وإنكار [الوباء] أديا إلى انتشار وباء الكورونا على نحو مطرد»
وزار فريق إعداد التقارير في مركز صوفان مقبرة رضوان في عدن وتحدث إلى أحد حفاري القبور الّذي أشار إلى أن «حوالي 800 حالة وفاة» حدثت خلال شهر رمضان، وعزاها إلىالكورونا. وفي حين أن الأرقام الدقيقة غير معروفة، فإن إحدى مجموعات Facebook، واسمها «ضحايا كورونا في اليمن»، توثّق الوفيات المنسوبة إلى الكورونا في جميع أنحاء اليمن وتشير إلى ارتفاع عدد الوفيات، الأمر الذي يبدو محتملا بالفعل نظرًا لقلة الاختبارات وتقليل الحوثيين من أهمية الفيروس.
كما قالت رئيسة العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة في اليمن، ليز غراندي، إن اليمن يواجه السيناريو الأسوأ. ففي رأيها، يمكن أن يتجاوز عدد الوفيات من جرّاء الوباء إجمالي عدد ضحايا الحرب والمرض والجوع على مدى السنوات الخمس الماضية (في اليمن) – وهو رقم صاعق. ويقدر تقرير مقدّم من جامعة دنفر بتكليف من الأمم المتحدة أن أعداد الوفيات قد تتجاوز في نهاية المطاف الـ 230،000 حالة خلال فترة أزمة الكورونا.
الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم
أدت الحرب التي استمرت خمس سنوات بقيادة السعودية في اليمن إلى تدمير اقتصاد البلاد والبنية التحتية للرعاية الصحية، كما ساهمت في انتشار سوء التغذية وتفشي الكوليرا على نطاق واسع. هذا ولقي أكثر من 112000 شخص مصرعهم بسبب النزاع، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 24 مليون شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية منهم 14.3 مليون في حاجة ماسة لهذه المساعدة.
وتعود جذور الصراع في اليمن إلى الربيع العربي الذي أطاح بعلي عبد الله صالح، والذي سلم السلطة بعد ذلك إلى عبد ربه منصور هادي. ووسط حالة من عدم الاستقرار المزمن، سيطر المتمردون الحوثيون على شمال صعدة ثم على العاصمة صنعاء في عام 2014. ومن ثم اتخذ هذا الصراع بعدًا إقليميًا عندما هاجمت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران حكومة هادي المدعومة من السعودية والإمارات والمعترف بها دوليًا من أجل السيطرة على البلاد. وبمرور الوقت، اتسع نطاق الصراع ليشمل فصائل متعددة متحاربة سياسيًا داخل البلاد، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والذي يسعى إلى انفصال جنوب اليمن. كما ينشط أتباع تنظيمي القاعدة وداعش في اليمن ويقومون بتنظيم الهجمات بشكل منتظم، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية.
هذا وتتعرض المملكة العربية السعودية مع تحالفها لضغوط دولية متزايدة لإنهاء مشاركتها في الصراع، حيث توقفت ألمانيا والدنمارك وهولندا وفنلندا والنرويج والنمسا عن بيع الأسلحة للرياض وذلك بعد سنوات من قصف المدنيين الأبرياء. ويعاني الاقتصاد اليمني أيضًا بسبب انهيار أسعار النفط عالمياً وجائحة الكورونا. ويسيطر الحوثيون حاليًا على العاصمة صنعاء وشمال غرب البلاد، بينما يسيطر أنصار هادي على مأرب والجوف وشمال حضرموت والمهرة وشبوة وأبين ومدينة تعز. وقد اتفق الجانبان في شهر نيسان على وقف لإطلاق النار، ولكنه سرعان ما انهار.
وقد أدى الصراع الدائر إلى تقييد وصول شحنات المواد الغذائية والوقود إلى البلاد. أما بالنسبة للمنظمات الإنسانية، فإن حالة القتال جعلت استيراد معدّات المساعدات أمرًا صعبًا للغاية.
إن هذه الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها اليمنيون تضعهم في موقف أكثر خطورة مع انتشار الكورونا في جميع أنحاء البلاد.
الكورونا تجتاح اليمن
أبلغت الحكومة اليمنية منذ تاريخ 21 تموز عن 1629 حالة إصابة و 456 حالة وفاة و 741 حالة تعاف من الفيروس. إن هذه الأرقام لا تأخذ في عين الاعتبار نقص عدد الاختبارات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مناطق الحوثيين الشمالية، التي لم تعترف بكثير من حالات الكورونا.
وكان العديد من الأطباء المتخصصين قد فرّوا قبل فترة طويلة بسبب النزاع الذي سبق تفشي الكورونا. هذا وذكرت الأمم المتحدة في شهر أيار أن البلاد لديها 675 سريرًا للعناية المركزة فقط و 309 أجهزة تنفس لخدمة ما يزيد عن 28 مليون نسمة.
وقال منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة مارك لوكوك، «يمكن لليمن أن يسقط في الهاوية إذا بقي دون دعم مالي»، مشددًا على هشاشة الوضع.
والواقع في عدن ولحج – الجزء الجنوبي من البلاد حيث يستمر القتال – يشير إلى أن وكالات الإغاثة، المنهكة أصلاً بفعل حجم أزمة حرب اليمن والصحة والفقر، تعاني من أجل معالجة أزمة الكورونا بشكل فعّال. فمنذ منتصف شهر نيسان، تقلّص أو توقّف 31 برنامجا من أصل 41 برنامجًا مهمًا للأمم المتحدة بسبب نقص التمويل.
إن منظمة العمل ضد الجوع (ACF) هي من بين أكثر المنظمات الإنسانية نشاطًا في جنوب اليمن، حيث تقدم التدريب لموظفي المستشفيات وتوزع المعلومات على الناس، كما تقدم الخدمات الأساسية المتعلقة بالكورونا، وهي تشدّد اليوم على الحاجة إلى مزيد من الخدمات لدعم الشعب اليمني.
وقالت الدكتورة رنا عبد الله، مديرة برنامج الصحة والتغذية في منظمة العمل ضد الجوع: «تفتقر أبين والمناطق المجاورة إلى مرافق إجراء الاختبارات… كما يواجه أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية صعوبات كبيرة في إجراء الاختبار، لأنهم يضطرون للسفر لمسافات طويلة وتحمل النفقات».
ولا تستطيع بعض أجزاء الجنوب الوصول إلى المساعدات الإنسانية على الإطلاق. وأشار د. عبد الله إلى أن منظمة العمل ضد الجوع لم تتمكن من تقديم المساعدات لخبر المراقشة الواقعة خارج عدن منذ شهر أيلول عام 2019 بسبب تدهور الوضع الأمني.
هذا وقال عاملون في مجال الصحة إنهم اضطروا إلى تقديم المشورة والخدمات عبر تطبيق واتساب نظرًا لعدم قدرتهم على السفر إلى المناطق الريفية بسبب المخاوف الأمنية وخطر الإصابة بالفيروس. ووفقًا لمجلة الإيكونوميست، فإن ما يقرب من 55 منطقة من أصل 333 في اليمن هي من دون أي طبيب.
كما أدت جائحة الكورونا إلى تفاقم أزمة النازحين في البلاد، الذين يعاني العديد منهم بالأصل أو لا يزالون عرضة للإصابة بالكوليرا ونقص الغذاء ونقص التعليم الأساسي والرعاية الصحية. وأخبرنا إبراهيم عوض سليمان وهو القائد المعين لمخيم للنازحين في عدن، والذي يضم ما يقرب من 240 عائلة، أنه منذ بدء انتشار الوباء، توقف توصيل الطعام.
ومما زاد من مخاوف سكان عدن أن المستشفيات قد شغلت بعدد كبير من المرضى ولم يتمكن الأطباء من توفير الرعاية العامة. وقال «لا يمكننا الوصول إلى أقنعة الوجه أو الصابون أو المنظفات أو أي منتجات نظافة أخرى على الإطلاق. يمكنك رؤية القمامة في كل مكان، عند البوابات وفي كل الأنحاء»
وقال شخص آخر من سكان عدن: «والد صديقي المقرب كان يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، فذهب إلى المستشفى لإجراء فحص، لكن الطاقم الطبي أصيب بالذعر، ولم يُقبل في المستشفى». وقد توفي في وقت لاحق.
وفي الوقت نفسه، فإن أسعار الاحتياجات الطبية الأساسية في اليمن مرتفعة جدًا. حيث قالت سارة شوفين، وهي عاملة في المجال الإنساني من منظمة «أطباء العالم»، «عادة ما تشتري ميزان الحرارة بـ 50 دولارًا، لكن سعره الآن يقارب 600 دولار»
وقد أدت جائحة الكورونا إلى تفاقم الوضع، خاصة وأن التحويلات المالية إلى اليمن والتي تأتي إلى حد كبير من دول الخليج قد انخفضت بنسبة 80 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 نتيجة فقدان الوظائف.
وقد أدت خمس سنوات من الصراع في اليمن إلى تدمير نظام الرعاية الصحية بشكل كبير، في حين أن البلاد تعاني من تفشي الكوليرا وعدم الاستقرار الذي تسبب بملايين الأشخاص النازحين. ولا تهدد أزمةالكورونا بقتل مئات الآلاف من اليمنيين فحسب، بل من المرجح أن تزداد حدة الآثار الثانوية مع انتشار الفيروس، بما في ذلك معدلات سوء التغذية بين الأطفال وانعدام الأمن الغذائي بشكل عام، والذي يؤثر بالفعل على أكثر من 20 مليون شخص.
أعدّ التقرير من اليمن قيس الشاعر ونجيب سعيد، وكتبه جيمس بليك
حول المشروع
أطلق مركز صوفان (TSC)، بالشراكة مع الصحفي وخبير الأمن جيمس بليك، ومنصة التحقق من الصور Truepic ، مبادرة جديدة لتوثيق الآثار الإنسانية والأمنية لكوفيد-19 في البلدان التي تتأثر بالنزاع والعنف والنزوح عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يشجع هذا المشروع الجديد، «في عين الأزمة: كورونا على خطوط الجبهة»، الصحفيين المحليين على الكتابة عن الذين نسيهم العالم خلال هذه الأزمة التي لا مثيل لها. وهذه المبادرة هي بدعم من مؤسسة كارنيغي في نيويورك.
شروط الاستخدام وحقوق النشر
جميع محتويات TSC (من نصوص ومقاطع فيديو وصور) يجب أن تُنسب بشكل مناسب إلى مركز صوفان وشركاء هذا المشروع، إذا ما أراد أي طرف ثالث إعادة استخدامها.
الاتصال
للمزيد من المعلومات حول مشروع «في عين الأزمة: كورونا على خطوط الجبهة»، يرجى الاتصال Info@thesoufancenter.org