هذا المقال بالشراكة مع منصة التحقق من الصورة Truepic
لبنان: الانفجار الكبير يفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، وموجة جديدة من انتشار الكورونا
ضربت بيروت سلسلة من الانفجارات في الرابع من شهر آب، نتج عنها انفجار ضخم هزّ الواجهة البحرية لبيروت، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 200 شخص وإصابة الآلاف، وما زال العديد في عداد المفقودين. كان سبب الانفجار آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم التي كانت مخزّنة عشوائيًا في مرفأ بيروت لأكثر من ست سنوات. هذا وقد تركت استقالة رئيس الوزراء في العاشر من شهر آب بعد احتجاجات كبيرة وتزايد عدد إصابات الكوروناوالاضطرابات الاقتصادية والسياسية المستمرة البلاد في حالة من الغموض يكتنف مستقبلها القريب.
وقد ترك هذا الانفجار المستشفيات التي كانت تعاني أصلاً من تزايد حالات الكورونا بحالة اكتظاظ وبحاجة ماسة للدعم. وتشير الروايات المبكرة إلى أن الانفجارات دمرت إمدادات القمح وكثيرا من المتاجر والشركات،وأصابت أكثر من 300 ألف منزل، مما أدى إلى تشريد عدد لا يُحصى من الأشخاص ممن هم بحاجة اليوم إلى مساعدة فورية. كما تضررت أربعة مستشفيات على الأقل من جراء الانفجارات، مما جعلها غير قادرة على استقبال المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج وهم في حالة حرجة. وإلى جانب الخسائر في الأرواح البشرية، زادت الانفجارات من الحاجة الماسة إلى الإغاثة الإنسانية الدولية وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع معدلات البطالة، وجائحة الكورونا المستمرة التي زادت الأمر تعقيداً.
وعلى مدار الشهر الماضي (قبل الانفجار)، أجرى فريق إعداد التقارير في مركز صوفان، باستخدام منصة التحقق من الصور Truepic، مقابلات وأبحاثًا مع أطباء وصحفيين محليين وأفراد متأثرين بالأزمات المتلاحقة للكورونا والصراعات السياسية والاقتصادية في لبنان. وركّزت المقابلات على المجتمعات المهمشة في سهل البقاع شرق لبنان وفي بيروت.
الصحفي اللبناني الذي يعمل مع الفريق الصحفي حول هذه القصة – والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية – كان في بيروت أثناء التفجيرات لكنه لم يُصب بأذى.
اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة
بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في لبنان في شهر تشرين الأول عام 2019 وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري. ولا شك أنه كان للزيادة المقدرة بنحو 60 إلى 70 في المائة في أسعار المنتجات الغذائية الأساسية وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 80 في المائة من قيمتها خلال العام الماضي تأثير سلبي كبير على السكان، الذين من المتوقع أن يصبح 60 في المائة منهم تحت خط الفقر في العام المقبل.
فبعد فترة هدوء في الاحتجاجات استمرت عدة أشهر، ويرجع ذلك أساسًا إلى حالة الإغلاق بسبب فيروس كورونا، ووصول الاحتجاجات ضد الحكومة اللبنانية إلى أدنى مستوى لها في النصف الأول من عام 2020، عادت مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة مع التركيز على الفساد وسوء الإدارة. هذا وقد انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 80 بالمائة منذ بدء التظاهرات، و60 بالمائة في الشهر الماضي وحده. هذا وأشارت جميع المقابلات التي أجراها الفريق الصحفي مع اللاجئين والأطباء ومع أشخاص من مختلف الطوائف الدينية داخل لبنان إلى أن الأمن الغذائي بات مهددا اليوم وإلى أن الطبقة الوسطى تتهاوى وتنهار. إن مثل هذه التطورات المقلقة التي كانت هي القاعدة في لبنان لبعض الوقت قد توسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما أنها ستزيد بشكل كبير من الاحتياجات الإنسانية للبنان.
ارتفاع عدد إصابات كورونا وانتشار المخاوف
في أواخر شهر تموز، كان مجموع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد قد بلغ 3532 حالة، ولكن في غضون أيام قليلة، ارتفعت الحالات إلى 6517 حالة حتى تاريخ 9 آب، ويستمر عدد الحالات في الارتفاع. فخلال الاحتجاجات الجماهيرية في بيروت، ارتدى عدد قليل نسبيًا من المتظاهرين الأقنعة، مما ساهم على الأرجح في انتشاره. وفضلا عن ذلك، تشير حالات الكورونا المبلغ عنها في مخيمات اللاجئين إلى أن المرض ينتشر في المجتمعات التي لا تتمتع إلا بقدر ضئيل من مرافق الاختبار أو الرعاية الصحية المناسبة. وبعد التقليل من شأن المخاطر في البداية، نفذت الحكومة اللبنانية العديد من عمليات الإغلاق مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، هذا ووافق مجلس الوزراء اللبناني مؤخرًا على تمديد الإغلاق الحالي حتى 30 من شهر آب نظرًا للانتشار المتزايد للفيروس.
تحدث فريق التقارير في مركز صوفان مع إبراهيم، وهو رجل سوري في العشرينات من عمره يعيش في لبنان، في بدايات شهر تموز. وأشار إبراهيم إلى أن الكورونا كانت أقل خطورة من الجوع، لذا كان عليه أن يكسر نصيحة «البقاء في المنزل» من أجل العمل. وقال: «لا يمكنني البقاء في المنزل. لن أنجو»، مشددًا على الصعوبات التي تواجه أولئك الذين لا يكسبون ما يكفي من المال لإعالة أنفسهم وسط التضخم المتصاعد.
فر إبراهيم من الصراع السوري وخطط لإنهاء درجة الماجستير في التاريخ في بيروت من خلال منحة دراسية، لكنه لم يستطع الاستمرار في دفع النفقات الأخرى بسبب الأزمة المالية في لبنان. وقد كان إبراهيم يعمل أيضا موظف توصيل لتغطية نفقاته، ولكن شركته سرّحت جميع الموظفين من غير اللبنانيين. ويخطط إبراهيم على المدى الطويل للتقدم بطلب للحصول على اللجوء في كندا بسبب الوضع الاقتصادي السيئ.
وتحدث الفريق الصحفي مرة أخرى مع إبراهيم في نهاية شهر تموز حول تأثير كورونا فقال: «الناس خائفون الآن»، مشيرًا إلى أن الكورونا قد انتشرت بكثرة في مجتمعه.
ضعيف ومنسي ومعرض للخطر
مع التدهور الاقتصادي الحاصل وارتفاع نسبة التضخم، يفتقر العاطلون عن العمل واللاجئون والمعوقون وكبار السن إلى الدخل لدفع ثمن الأغذية الأساسية. وقد أخبرتنا ناشطة في بيروت طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية أنه بالنسبة للبنان «كانت الكورونا بمثابة الضربة القاضية» وأنه «بينما كنا [بالفعل] نتجه إلى هذه النتيجة [السلبية]، شكّلت الكورونا الدفعة التي سرّعت الأمور».
وفي سهل البقاع، كان اللاجئون يائسين لدرجة أنهم حفروا نفقًا عبر الحدود إلى سوريا، والتي هي في عامها العاشر من الحرب. تؤمن الأنفاق والمعابر، بدءاً من معبر الزبداني في سهل البقاع، وسيلة ميسورة التكلفة لشراء المواد الغذائية الأساسية في ظل التضخم الحاصل في لبنان، قبل العودة إلى الوطن.
صوفيا، وهي لاجئة سورية مات زوجها أثناء النزاع في سوريا (وقد غيّرنا اسمها لحماية هويتها)، فرّت مع طفليها إلى لبنان. لكنها وفي ظل الأزمة المالية، فقدت وظيفتها في التدريس وأخبرتنا أنها «لم تتمكن من دفع إيجارها لمدة خمسة أشهر». وكان الشعور بالحاجة واليأس في مخيمات اللاجئين والنازحين ملموسًا. وشرحت صوفيا أن بعض اللاجئين كانوا يفكرون في الانتحار بسبب الوضع في المخيمات، وهو أمر غير مفاجئ نظرًا إلى حالات الانتحار الأخيرة المسجلة بين الذكور في لبنان.
وعندما تحدث الفريق الصحفي إلى صوفيا لأول مرة في أوائل شهر تموز، لم تكن الكورونا تحتل صدارة الاهتمام. ففي بداية تفشي الكورونا في البلاد، قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) الأقنعة والصابون، لكنها قالت إنها لم تكن هي ولا أطفالها يرتدون أقنعة، فبالنسبة لهم بدت أزمة الكورونا أقل خطورة بكثير من مخاوفهم الأخرى. وقالت بتحد «لقد نجونا من سوريا، لذلك سننجو من الكورونا».
وأجرى الفريق الصحفي مقابلة مع الدكتور فراس في أوائل شهر تموز، وهو طبيب سوري يقدم الدعم الطبي للعديد من مخيمات اللاجئين في سهل البقاع، والتي تؤوي في الأساس سكانا سوريين. كما يدير عيادة صحية متنقلة تدعمها المنظمات المحلية غير الحكومية. وقبل الارتفاع الأخير في عدد حالات الكورونا، أكد الدكتور فراس أن السلطات الصحية تعطي الأولوية للبنانيين فيما يخص الفحوصات، مما يزيد من صعوبة إجراء الاختبار لللاجئين السوريين. كما أشار إلى أن بعض اللاجئين قلقون من تبلّغ السلطات بمرضهم إذا ظهرت عليهم أعراض الوباء «خوفًا من احتمال إعادتهم إلى سوريا».
أزمات سياسية وأمنية وصحية وإنسانية مجتمعة
ترتبط الاحتياجات الإنسانية للبلاد ارتباطًا مباشرًا بالأزمة السياسية. ومع عجز الحكومة عن العمل، فقد الشعب اللبناني الثقة في النظام السياسي. وبحسب أحد الناشطين الذين تمت مقابلتهم، «استفاد حزب الله من ذلك وسيطر على كل شيء [سياسياً]». إن تشعّبات القوة السياسية الحالية لحزب الله لها تداعيات من حيث قدرة الدولة على الحصول على قروض مالية من المؤسسات الدولية فضلا عن أنها أدت إلى زيادة التوترات مع إسرائيل وجيران آخرين.
وقد صدم انفجار الرابع من آب في بيروت العالم. ولكن حتى قبل ذلك، واجهت المستشفيات نقصًا في المعدات والتمويل وفقًا للمقابلات التي أجريناها. فعدد أجهزة التنفس لمصابي الكورونا كان قليلا حيث أشارت التقارير إلى أن عددها لم يكن يتجاوز الـ 300 جهاز فقط في أواخر الربيع، كما أن الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي صعّب تأمين التشغيل الدائم لأجهزة التنفس.
وبالنسبة للدكتور فراس، توجّب نقل عيادته المتنقلة من سهل البقاع لتلبية احتياجات الجرحى والنازحين من جرّاء الانفجار الكبير.
هذا وقد أدت الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية الحالية في لبنان إلى زيادة التوترات في جميع أنحاء البلاد. ولبنان بحاجة ماسة للدعم السياسي والأمني والإنساني. وقد زار الرئيس الفرنسي ماكرون البلاد يوم الخميس في السادس من آب، وعرض الدعم والمساعدة، لكن الشكاوى المتزايدة بشأن الفساد وعدم كفاءة الحكومة تفاقمت بسبب الانفجار. وعلى الرغم من أن الانفجار كان مدمرًا، إلا أنه ركّز انتباه العالم على لبنان ونأمل أن يتبع ذلك موجة كبيرة من الدعم، فضلًا عن تأمين الموارد والخبرات لبدء مساءلة الحكومة وإجراء الإصلاحات المطلوبة منذ فترة طويلة في الحكم والاقتصاد والسياسة.
أعدّ التقرير من لبنان س.ك. ، وكتبه جيمس بليك
حول المشروع
أطلق مركز صوفان (TSC)، بالشراكة مع الصحفي وخبير الأمن جيمس بليك، ومنصة التحقق من الصور Truepic ، مبادرة جديدة لتوثيق الآثار الإنسانية والأمنية لكوفيد-19 في البلدان التي تتأثر بالنزاع والعنف والنزوح عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يشجع هذا المشروع الجديد، «في عين الأزمة: كورونا على خطوط الجبهة»، الصحفيين المحليين على الكتابة عن الذين نسيهم العالم خلال هذه الأزمة التي لا مثيل لها. وهذه المبادرة هي بدعم من مؤسسة كارنيغي في نيويورك.
شروط الاستخدام وحقوق النشر
جميع محتويات TSC (من نصوص ومقاطع فيديو وصور) يجب أن تُنسب بشكل مناسب إلى مركز صوفان وشركاء هذا المشروع، إذا ما أراد أي طرف ثالث إعادة استخدامها.
الاتصال
للمزيد من المعلومات حول مشروع «في عين الأزمة: كورونا على خطوط الجبهة»، يرجى الاتصال Info@thesoufancenter.org