«أنا إيزيدية من تل بنات في سنجار. لقد مر شهران على عودة عائلتنا إلى سنجار. ويعود سبب عودتنا إلى تدهور الأوضاع في مخيمات النزوح الداخلي وانتشار فيروس كورونا فالناس في مخيمات النازحين يتخالطون بعضهم مع بعض ولا يلتزمون بالتباعد، ولذلك عدنا إلى سنجار. ومع أننا عدنا إلا أننا لا نعيش في منزلنا»، أخبرتنا بذلك ندى سلو شيخو، في منتصف شهر تشرين الأول وقد عادت للتوّ إلى سنجار.
إن وباء الكورونا هو الأحدث بين سلسلة الكوارث التي حلّت بالمجتمع الإيزيدي.
في عام 2014، هاجم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) سنجار، وهي محافظة ذات أغلبية إيزيدية في شمال العراق، فقتل إرهابيوه ما لا يقل عن 3100 من الأيزيديين، كما اختطفوا أكثر من 6000 امرأة وطفل، وباعوا النساء فيما بعد جواري للمتعة الجنسية. وفي بعض الحالات، دفع مسلحو داعش الأولاد الإيزيديين إلى التطرف قسرًا وجنّدوهم وأرسلوا بعضهم في مهمات انتحارية.
ولا تزال العديد من العائلات تعاني من الصدمة النفسية لأنها لم تتمكن بعد من تحديد مكان أفراد الأسرة الذين اختُطفوا أو ربما دفنوا في مقابر جماعية في أعقاب حملة الإبادة الجماعية التي شنها داعش. وفي 24 تشرين الأول، بدأ فريق من الأمم المتحدة بنبش مقبرة جماعية حيث دفن ضحايا من قرية كوجو في جنوب سنجار. هذا ولا يزال الآلاف من الإيزيديين في عداد المفقودين ومن المحتمل أن العشرات منهم قد بيعوا أو توجر بهم جنسيًّا.
ولا يزال ما يقرب من 200000 إيزيدي – أي ما يقارب نصف المجتمع الإيزيدي في العراق – في مخيمات النازحين دون رعاية صحية مناسبة وفي مواجهة خطر متزايد للتعرض لوباء الكورونا، مما دفع الكثيرين منهم إلى العودة إلى سنجار على الرغم من المخاطر التي يواجهونها في العودة إلى هناك.
أجرى فريق إعداد التقارير في مركز صوفان في منتصف تشرين الأول 2020، باستخدام تقنية Truepic وطائرة بلا طيار، مقابلات في مخيم النازحين في دهوك وسنجار من أجل الحصول على صورة أوضح حول تأثير وباء الكورونا على المجتمع الإيزيدي الهش، فقد أجبر الفيروس الكثيرين على العودة إلى سنجار حيث يواجهون مجموعة جديدة من المخاطر البشرية والصحية والأمنية.
تأثيروباء الكورونا على الإيزيديين في مخيمات النازحين
كان لوباء الكورونا آثار كبيرة في جميع أنحاء العراق. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنه حتّى أوائل شهر تشرين الثاني من عام 2020، تأكدت 82،296 حالة من حالات الإصابة بوباء الكورونا، الأمر الذي أدى إلى 11،068 حالة وفاة. وقد كان هذا الأمر مزعزعًا للاستقرار بشدة خاصةً وأن المستشفيات في البلاد قد تضررت بسبب سنوات من الصراع ونقص الأدوية وندرة معدات الحماية.
أخبرنا خليل خلف دالي وهو طبيب في مستشفى سنوني في سنجار أن «مخاطر فيروس كورونا في مجتمعنا كبيرة جدًا … لكن للأسف لم يأخذ مجتمعنا هذه المخاطر على محمل الجد، إذ يقول الكثيرون إنه ما من شيئ اسمه كورونا». وقد أدى ذلك إلى ارتفاع عدد الإصابات. وقد أدى التضليل المنتشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول الفيروس إلى الاستخفاف بشدته والتشكيك في أفضل الخطوات الوقائية.
يعدّ خطر الإصابة بوباء الكورونا في المجتمع الإيزيدي الذي أُجبر على البقاء في مخيمات النازحين المكتظة والتي تعاني من سوء التعقيم خطرًا حادًا بشكل كبير.
هذا وكان لفيروس كورونا أيضًا تأثير اقتصادي على من يعيشون في المخيمات، حيث قال جاسم قرو سليمان، وهو ناظر تربوي سابق وإيزيدي يعيش في مخيم في دهوك، «في المخيمات، دمر فيروس كورونا الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود».
وابتداء من شهر حزيران 2020، عادت عشرات الآلاف من العائلات النازحة بأعداد كبيرة من محافظتي دهوك ونينوى إلى مديريتي سنجار والبعاج في أقصى غرب العراق.
ووفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، فقد غادر في الفترة بين 8 حزيران و 1 تشرين الأول 2020، 26361 شخصًا (4931 عائلة) منطقتي زاخو وسميل في دهوك وحي الشيخان في نينوى عائدين إلى سنجار، وعدد أقل من العائدين إلى البعاج.
وقد جاءت غالبية العائدين (بما نسبته 76 في المائة) من مخيمات النازحين داخليًا، بينما جاء الباقون من أماكن خارج المخيمات (فقد كانوا يعيشون مع الأقارب والأصدقاء). وقد كان العائدون في أغلبهم (لا كلّهم) من الإيزيديين.
العودة إلى سنجار تشبه حالة الخراف التي لا راعي لها
أدى استيلاء ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية على سنجار واحتلالها إلى دمار واسع في جميع أنحاء سنجار شمل تدمير المنازل والبنية التحتية الحيوية، خاصة في الجانب الجنوبي من المحافظة، الذي عانى من فترة احتلال أطول.
وبذلك، فإن القرار الذي يواجهه آلاف الإيزيديين في مخيمات النازحين بشأن العودة إلى سنجار يمكن أن يكون مسألة حياة أو موت.
وقد لخص جاسم قرو سليمان هذه المعضلة بإيجاز: «العودة إلى سنجار صعبة للغاية … أستطيع أن أقول إنها مثل الخراف التي لا راعي لها. ما من حكومة يمكنها الاعتناء بالعائدين».
ولا تزال بعض القضايا الأمنية عالقة، ولا سيما ما يتعلق بمسائل الحماية والإجرام والقلق بشأن التهديد الإرهابي الذي يواجهه الإيزيديون العائدون.
وقد أخبرتنا شيخو العائدة مؤخرا إلى سنجار: «كما أرى الأمور، فإن أهم شيء في سنجار هو حل المشكلة الأمنية ولكن أيضًا استعادة الخدمات الأساسية أو الاستبدال بها؛ فالعديد من القرى تعاني من نقص الخدمات، كما أنه ما من مراكز رعاية صحية ولا مدارس للتعليم».
ويسلط الأيزيديون العائدون إلى سنجار الضوء على الحاجة إلى زيادة الخدمات الإنسانية والأمن الشخصي وجهود إعادة الإعمار.
مشكلات أمنية طويلة الأمد بالنسبة للعائدين إلى سنجار
في آذار الماضي، دعا تنظيم الدولة الإسلامية، في رسالته الإخبارية الأسبوعية النبأ، مقاتليه إلى مهاجمة وإضعاف أعدائه (سواء من الأيديولوجيين أو ممّن يسعون إلى محاربته) أثناء انشغالهم بالوباء.
يتزامن هذا التهديد مع تأكيد خبراء أمنيين على أن داعش لا يزال نشطا في العراق – مستغلا رحيل بعض قوات التحالف من البلاد – مما يجعل شن الهجمات في جميع أنحاء البلاد أمرا محتملا على الدوام.
ونظرًا لميلها الأيديولوجي إلى مهاجمة الإيزيديين، يتفق خبراء الأمن على الحاجة إلى مزيد من الحماية.
وقد أخبرنا مايكل نايتس، وهو مزامل رفيع في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه على الرغم من انخفاض عدد هجمات داعش «منذ الربع الثاني من هذا العام»، فإن «الهجمات يمكن أن تحدث في كل مكان … في العراق. فالبيئة لا تزال قائمة، حتى لو كان عدد المهاجمين المتاحين أقلّ».
وعلى سبيل المثال في العام الماضي، عندما غزت القوات التركية شمال شرق العراق، عمّ الخوف بين الإيزيديين الذين رأوا أن ذلك قد يمكن مقاتلي داعش الذين فروا من السجن من العودة إلى البلاد.
ومن أجل المساعدة في تأمين الحماية بشكل ملموس، أشار بيان مشترك لـ 33 منظمة غير حكومية في شهر نيسان الماضي في سنجار إلى الحاجة الملحة لإصلاح قطاع الأمن المدني الأمر الذي من شأنه دمج الميليشيات الإقليمية ضمن شرطة اتحادية موحدة تحمي المواطنين بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم.
وتسلط مبادرة نادية الضوء على الحاجة المستمرة لتحقيق العدالة للمجتمع الإيزيدي في أعقاب الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها، ويشمل ذلك تقديم أولئك الذين ارتكبوا الفظائع إلى العدالة ودمج الإيزيديين في المجتمع السائد.
قام بإعداد التقرير من سنجار فارس مشقو، بقلم جيمس بليك