19حزيران / يونيو 2020
«بعد فقدان كل شيء، بكل ببساطة لم يعد لنا من طاقة لمحاربة المرض»، هذا ما قاله صبي يبلغ من العمر إحدى عشرة سنة في مخيم للنزوح في إدلب بسوريا.
استمع مركز صوفان بشكل مباشر لشهادات العديد من النازحين والعاملين في مجال الرعاية الصحية وفي المنظمات الإنسانية في إدلب السورية حول جهود الوقاية المتعلقة بانتشار وباء كورونا المحتمل، وذلك من خلال استخدام منصة التحقق من الصور Truepic لتسجيل الصور والمقابلات المختارة مما يساعد على ضمان دقة التقارير وصحّتها. وقد أجريت المقابلات في الفترة الممتدة من أواخر شهر أيار / مايو حتى أوائل شهر حزيران / يونيو.
وقد وصف عبد الهادي مصطفى السيد، والذي يبلغ من العمر 34 عامًا، التحديات التي تواجهها عائلته خلال الأشهر الأخيرة ومخاوفه من التفشي الوشيك لوباء كورونا.
وكان ممّا قاله: «لقد نزحنا عدة مرات [بسبب العنف]؛ نهرب من منزلنا ثم نعود، لنغادر مرة أخرى بعد ذلك بسبب المزيد من التفجيرات». وكان عبد الهادي السيد قد انتقل من منزله في معرة النعمان إلى مخيم للنازحين، حيث تحدّث إلينا من مخيم المزار في باريشا، وهي قرية تقع خارج إدلب.
«يجب أن نرتدي أقنعة، ولكن ليس لدينا أقنعة، لذلك فقد اقترحوا علينا أن نضع حفاضات أطفال لتغطية أنوفنا.»
ويضم مخيم المزار حوالي 700 شخص. وقد أفاد من أُجريت معهم مقابلات عن اكتظاظ الخيام، وعن الغياب التام للأقنعة وسائر المعدات الواقية في المخيم.
إدلب، حيث الأزمة باتت القاعدة
بعد أكثر من تسع سنوات، يواصل نظام الأسد، بدعم من روسيا وإيران، اجتياحه الأراضي في شمال غرب سوريا التي كان قد فقدها خلال الحرب. كما يستغل تنظيم داعش الظروف من أجل استجماع قواه من جديد، بينما تستمر مجموعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية في شن الهجمات بشكل منتظم. وفي هذه الأثناء، تراجعت قيمة العملة السورية، الأمر الذي فاقم الأزمة وسبّب المزيد من البؤس الاقتصادي.
وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى أزمة إنسانية وأمنية في إدلب ذات تداعيات مدمرة، بدءًا من النزوح وسوء التغذية وصولًا إلى الإرهاب. ووفقًا لأحدث تقارير الاتّجاهات العالمية التي تصدرها سنويا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد أجبر أكثر من 13.2 مليون شخص على الفرار من ديارهم في سوريا حتى كانون الأول / ديسمبر 2019.
كورونا: نقص المساعدات الإنسانية قد يقود إلى كارثة محققة
حتى تاريخ الرابع عشر من حزيران / يونيو، وثّقت وزارة الصحة السورية 177 حالة لمصابين بوباء كورونا، معظمها في حمص ودمشق. ومن المحتمل جدًا أن يكون مردّ انخفاض هذا العدد نسبيًا إلى قلّة الاختبارات وصعوبة إجرائها. وقد أثار الصحفيون المحليون مخاوف بشأن شفافية نظام الأسد فيما يخص عدد الحالات.
وقبل كورونا، لم تكن الاحتياجات الإنسانية في شمال غرب سوريا مستوفاة بالكامل. وبحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في الثاني عشر من شهر حزيران / يونيو، فإن ما يقدر بنحو 2.8 مليون شخص في شمال غرب البلاد بحاجة إلى مساعدة إنسانية. وقد عقّدت الجغرافيا السياسية الأمور في سوريا. فعلى سبيل المثال، تبنى مجلس الأمن الدولي في شهر كانون الثاني / يناير قرارًا بتخفيض المساعدات الإنسانية عبر الحدود من أربع نقاط عبور إلى نقطتين، وذلك بضغط من روسيا.
وتعمل بعض المنظمات الإنسانية المحلية والدولية على منع انتشار الفيروس، ويسود تخوف خاص من انتشار الوباء عبر الحدود التركية، ومن النقص في القدرة على الاختبار في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سوريا. ويعيش اليوم مئات الآلاف في خيام مكتظة بالعائلات من دون معلومات موثوقة حول كيفية الوقاية من الوباء.
وتعد قوة الدفاع المدني التابعة للخوذ البيضاء، وهي منظمة تطوعية إنسانية محلية، من بين الأنشط في محاولة منع انتشار فيروس كورونا.
وقال عضو في الخوذ البيضاء لفريق إعداد التقارير في مركز صوفان إنهم يقومون بتطهير المرافق الرئيسة وينفذون حملات تثقيفية في شمال سوريا، من خلال مبادرة أطلق عليها اسم «متطوعون ضد كورونا» وتجري بالتعاون مع هيئات إنسانية محلية أخرى. وتقدم منظمة الصحة العالمية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والإغاثة الإسلامية بعض المساعدة، إلا أن النقص لا يزال حادًّا.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فحتى تاريخ الأول من شهر حزيران / يونيو، لم يعد حوالي 840,000 من أصل مليون شخص فروا من منازلهم في سوريا في الجزء الأول من العام، وهو ما يشمل أكثر من نصف مليون طفل و 180,000 امرأة.
وقال عبد الهادي مصطفي السيد: «لقد سمعنا عن هذا الفيروس، ولكن لم يعطنا أحد أي شيء، والآن نحن قلقون مما سيحدث إذا أصيب (أطفالنا). نحن نحافظ على أطفالنا وخيامنا نظيفة. وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به. ولكن الأمر يبدو كما لو أننا لسنا بشرًا».
وقد سرت في مخيم المزار شائعات ونظريات متعددة حول الفيروس وسبل مقاومته. فعلى سبيل المثال، قال العديد من النازحين إنهم يأكلون البصل والثوم في محاولة لدرء الإصابة بالفيروس. أمّا التباعد الاجتماعي فهو مستحيل في ظل اكتظاظ الخيام.
البنية التحتية الصحية المتداعية تترك إدلب ضعيفة في مواجهة الصدمات الصحية
حذرت منظمة أطباء بلا حدود من أن المنطقة غير مستعدة لمواجهة هذا الوباء ودعت تركيا إلى السماح بالعبور العاجل للإمدادات الأساسية والعاملين في المجال الإنساني إلى شمال غرب سوريا. هذا وحذر كريستيان رايندرز، المنسق الميداني لمنظمة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا قائلًا: «إن عجزنا عن زيادة أنشطتنا في إدلب والقيام بالمزيد في مواجهة هذه الحالة الصحية الطارئة هو أمر حقيقي نعيشه يوميا ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة».
إن المعدات والموارد البشرية اللازمة لعلاج السكان في حالة تفشي الوباء محدودة للغاية. وقد صرّحت مديرية الصحة في إدلب في مطلع شهر حزيران / يونيو، إنه ليس في إدلب سوى 600 طبيب، و 3065 سريرًا في المستشفيات، و205 أسرة مخصصة للعناية المركزة وذلك لخدمة ما يقدر عدده بنحو 4.1 مليون شخص، وهو عدد أكبر بقليل من عدد سكان لوس أنجلوس بكاليفورنيا، وهو ما يعادل طبيبًا واحدًا لكل 6800 شخص وسريرا واحدا في العناية المركزة لكل 20000 شخص. وقال الدكتور إياد رعدون المنسق الطبي السوري لمؤسسة «وطن» في إدلب: «في إدلب مركز تشخيصي واحد حيث تستخدم الأدوات [التشخيصية] فيه لاختبار حالات الإصابة بوباء كورونا المشتبه بها، ولكن أدوات الاختبار هذه غير متاحة بأعداد كافية».
كما قال: «والنقص يشمل أجهزة التنفس الاصطناعي، إذ لدينا حوالي 100 منها فقط في مراكز الرعاية الصحية».
إن الضرر الذي لحق بالبنية التحتية الصحية والحركة المستمرة للأشخاص بسبب النزاع يزيدان من خطر انتشار الوباء في المخيمات. وحتى كتابة هذه السطور لم تؤكد المرافق الطبية أي حالة إصابة بوباء كورونا في إدلب، فالقدرة على اختبار الأشخاص وتعقّبهم منخفضة للغاية، ولكن أعراض الإصابة ظهرت على عدد من المرضى بالفعل.
للفشل في التصرف اليوم عواقب وخيمة غدًا
من المتوقع أن يسهم وصول فيروس كورونا إلى سوريا في زعزعة استقرار البلد الذي مزقته الحرب. ويقول الخبراء إن مخيمات النازحين على وجه الخصوص تشكل بيئة ملائمة لانتشار الوباء. ومن المرجح أن يؤدي الفشل في منع تفشي الوباء إلى تعزيز الجماعات الإرهابية حضورها الشعبي في إدلب. وفي حين تواصل الولايات المتحدة النأي بنفسها عن الصراع في سوريا، تملأ كل من روسيا وتركيا الفراغ بحماس. كما أن فشل المجتمع الدولي في التحرك لوقاية السوريين وحمايتهم ودعمهم قبل أن يتفاقم الوضع من جهة، وفي اتخاذ الخطوات اللازمة للمباشرة بعملية سياسية لحل الأزمة السورية من جهة أخرى، ستكون له عواقب وخيمة. وسيفاقم تفشي وباء كورونا في سوريا آثار ما يقرب من عقد من الصراع والنزوح والدمار.
أعدّ التقرير من إدلب مصطفى دحنون وفريد الحور، وكتبه جيمس بلايك
حول المشروع
أطلق مركز صوفان (TSC)، بالشراكة مع الصحفي وخبير الأمن جيمس بليك، ومنصة التحقق من الصور Truepic ، مبادرة جديدة لتوثيق الآثار الإنسانية والأمنية لكوفيد-19 في البلدان التي تتأثر بالنزاع والعنف والنزوح عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يشجع هذا المشروع الجديد، «في عين الأزمة: كورونا على خطوط الجبهة»، الصحفيين المحليين على الكتابة عن الذين نسيهم العالم خلال هذه الأزمة التي لا مثيل لها. وهذه المبادرة هي بدعم من مؤسسة كارنيغي في نيويورك.
شروط الاستخدام وحقوق النشر
جميع محتويات TSC (من نصوص ومقاطع فيديو وصور) يجب أن تُنسب بشكل مناسب إلى مركز صوفان وشركاء هذا المشروع، إذا ما أراد أي طرف ثالث إعادة استخدامها.
الاتصال
للمزيد من المعلومات حول مشروع «في عين الأزمة: كورونا على خطوط الجبهة»، يرجى الاتصال Info@thesoufancenter.org