أوّل الكلام آخره:
- أعلن المسؤولون الأمريكيون أن الرئيس بايدن، خلافا لموقفه السابق، سيسافر إلى المملكة العربية السعودية للقاء محمد بن سلمان.
- قرر المسؤولون الأمريكيون التغاضي عن انتهاكات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وإخفاقاته من أجل تخفيف الضغط على سوق الطاقة العالمية.
- سهّل الدعم السعودي لوقف إطلاق النار في الصراع اليمني قبول الولايات المتحدة بالتعامل المباشر مع محمد بن سلمان.
- تستمر المصلحة المشتركة الأساسية المتمثلة في احتواء إيران بتعزيز العلاقات الأمريكية السعودية.
على مدار الشهر ونصف الشهر الماضي، مهّد تبادل الزيارات الرفيعة المستوى بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الطريق لرحلة أعلن عنها مؤخرًا سيقوم بها الرئيس بايدن إلى الرياض. وسيلتقي بايدن خلال الزيارة الملك سلمان وولي العهد والزعيم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان. وتأتي زيارة 15 تموز (يوليو) في أعقاب توقف في إسرائيل، التي لا تعد شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة فحسب، بل تعمل على توسيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أيضا. كما سيلتقي الرئيس بايدن خلال الزيارة بقادة دول مجلس التعاون الخليجي الآخرين. وتضمنت الزيارات المتبادلة في أوائل الصيف زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، الأخ الأصغر لمحمد بن سلمان، في أيار (مايو)، فضلا عن زيارات لوزراء التجارة والاستثمار السعوديين في حزيران (يونيو). وقد ذهب وفد من البيت الأبيض إلى المملكة في أواخر أيار (مايو) لمناقشة الرحلة الرئاسية المخطط لها، فضلا عن مجموعة من القضايا محل الاهتمام المشترك بما في ذلك سوق الطاقة العالمي وإيران والصراع في اليمن.
وقد شجعت التحولات في الجغرافيا السياسية العالمية والإقليمية الولايات المتحدة على إعادة العلاقات مع محمد بن سلمان. وكان الرئيس بايدن قد سعى إلى تجنب التعامل مع محمد بن سلمان بشكل مباشر، وذلك، في جزء كبير منه، يعود إلى دور محمد بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول. وبدلًا من ذلك اختار الرئيس التعامل مع الملك سلمان. غير أن تهميش محمد بن سلمان بات متعذرا مع ارتفاع أسعار النفط العالمية نتيجة العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا لغزوها أوكرانيا. ونظرًا لتدهور صحة الملك فإن معظم القادة يلتقونه لقاء بروتوكوليا، لكن النقاشات الحقيقية تجري مع محمد بن سلمان. ومن الواضح أن ولي العهد هو القائد الفعلي للمملكة وصانع القرار الرئيسي بشأن استراتيجية تصدير الطاقة السعودية. وقد سهّل الدعم السعودي لوقف إطلاق النار في الصراع اليمني قبول الولايات المتحدة بالتعامل المباشر مع محمد بن سلمان. وقد مدد هذا الوقف شهرين إضافيين حتى أوائل آب (أغسطس)، وحينها يحتمل أن يسعى ولي العهد السعودي إلى مخرج من الصراع. وكان محمد بن سلمان وحليفه المقرب، زعيم الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، قد دخلا الصراع اليمني في عام 2015 لمواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ولكن الحرب تسببت في كارثة إنسانية في اليمن وعملت على قلب الرأي الأمريكي ضد محمد بن سلمان وذلك قبل مقتل خاشقجي بوقت طويل. ومع ذلك، ونظرًا لأن محمد بن سلمان لم يُحاسب على هذا القتل أو الانتهاكات الأخرى، فلا تزال داخل دوائر السياسة الأمريكية والدوائر الانتخابية الأمريكية الرئيسية معارضة كبيرة لإعادة تأهيل محمد بن سلمان. وعلى الرغم من تردد بايدن الواضح في القيام بذلك، فإن قراره السفر إلى الرياض من أجل زيارة الديوان الملكي يُظهر مدى اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية شريكا إقليميا ومصدرا لاستقرار الطاقة.
وعلى الرغم من الخلاف الأيديولوجي الواسع بين الزعيمين وحكومتيهما، فمن الواضح أن المسؤولين الأمريكيين ينظرون إلى المملكة على أنها مفتاح لجهودهم لخفض أسعار النفط العالمية – التي تعد عاملا أساسيا في الارتفاع القياسي في معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال هذا العام. وقد حافظت المملكة العربية السعودية عادةً على ما يقرب من مليوني برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية للنفط، على الرغم من أنه يُعتقد أن طاقتها الإنتاجية الاحتياطية الحالية تقترب من مليون برميل يوميًا فقط. ومع ذلك، فإن طرح مثل هذه الكمية في السوق بسرعة، ولا سيما إذا ترافق ذلك مع زيادة الإمارات العربية المتحدة لإنتاجها، يمكن أن يخفض على الفور تقريبًا أسعار النفط العالمية التي بلغت حاليا حوالي 120 دولارًا للبرميل. ومن شأن خفض الأسعار أن يخدم المصالح السعودية أيضًا: فقد سعت السياسة السعودية تاريخيًا إلى منع تصعيد الأسعار بسرعة كبيرة جدًا – لئلا يؤدي ذلك إلى تخفيض الاستهلاك الغربي وزيادة الاستثمارات في الطاقات البديلة. ويمثل تشجيع زيادة إنتاج النفط الأمريكي المحلي استراتيجية أمريكية بديلة – ولكن من المحتمل ألا يكون لها تأثير فوري بسبب المهل الزمنية المطلوبة لإنتاج المزيد من النفط الأمريكي. ومع ذلك، فإن البعض يرى أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتعامل مع أنظمة تصدير النفط الديكتاتورية مثل تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية وإيران وفنزويلا لمعالجة مشكلة ارتفاع أسعار النفط العالمية.
على أن قرار الولايات المتحدة بالانخراط مع محمد بن سلمان يعكس جزئيًا الركائز الأساسية التي لا تزال صلبة في العلاقات الأمريكية السعودية. فلا تزال المملكة تحت مظلة أمنية أمريكية، ولم تتأثر مبيعات الأسلحة الأمريكية والانتشار العسكري الأمريكي في المملكة كثيرا بالعلاقات الفاترة بين الحكومتين. ولا تزال المملكة تتطلع إلى الولايات المتحدة لاستقدام التكنولوجيا اللازمة لاعتراض الهجمات الصاروخية الإيرانية – سواء أطلقت من إيران نفسها أو من أي من وكلاء طهران. ولا يتوقع محمد بن سلمان ولا أي زعيم خليجي آخر أن الحوار السعودي الذي استمر لمدة عام كامل مع طهران سوف يسفر عن أي اختراقات مهمة تقلل من التهديد الذي تشكله إيران على الخليج. وقد أظهر الأداء الضعيف للقوات الروسية في أوكرانيا لمحمد بن سلمان وغيره من القادة السعوديين أن روسيا ليست بديلًا للولايات المتحدة التي تمثل الشريك الأمني الأساسي للمملكة. وإذا قام الرئيس بايدن بالزيارة فعلا، فمن المحتمل أن تركز المناقشات في الرياض على المصالح المشتركة التي مكنت العلاقات الأمريكية السعودية من تجاوز الخلافات السابقة – بدلًا من الأخطاء والتجاوزات التي ارتكبها محمد بن سلمان والتي تسببت في توترات كبيرة بين البلدين. ولكن هذا التراجع سيأتي على حساب سمعة إدارة بايدن، ولا سيما في ضوء القرار الأخير بعدم دعوة القادة الاستبداديين إلى قمة الأمريكيتين الأسبوع الماضي. ويبدو أن السياسة الواقعية ستسود مرة أخرى على حساب السياسات المثالية والمبدئية.