أوّل الكلام آخره:
- استخدمت روسيا دعمها لبعض الجيوش الأفريقية والقادة الانقلابيين أداة ضغط لتلقي الدعم لغزوها أوكرانيا.
- إن لامبالاة روسيا بالتحول الديمقراطي في البلدان الأفريقية تعني أيضًا أن روسيا يمكن أن تسعى لبسط نفوذها في البلدان الأفريقية التي يتجنبها الغرب بسبب امتناع حكوماتها عن اعتماد الإصلاحات الديمقراطية.
- انضم عدد قليل من المقاتلين الأجانب من إفريقيا إلى القتال في أوكرانيا، ويعود ذلك في بعض الحالات لأن بعض حكوماتهم فرضت قيودًا على السفر للانضمام إلى الجانب الأوكراني.
- تستفيد روسيا من قوتها العسكرية لتأمين دعم بعض الدول الأفريقية؛ على أن كثيرا من الحكومات الأفريقية الأخرى تبدو حذرة من التورط في صراع أجنبي شرس، فلا تسمح لمواطنيها بالانخراط، حتى لو كانت هذه الحكومات متعاطفة مع أوكرانيا.
مع مرور ما يقرب من شهر على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد بدأت الآثار تظهر بشكل متزايد في أجزاء من العالم خارج أوروبا الشرقية ومحيط روسيا القريب. ففي الدول الأفريقية، على سبيل المثال، حاول كثير من المواطنين الانضمام إلى أحد طرفي الصراع، وانقسمت حكومات القارة حول دعمها لروسيا أو أوكرانيا. وقد أدى النفوذ الروسي في جميع أنحاء إفريقيا إلى خفوت أصوات الداعمين علنا لأوكرانيا. وتدعم روسيا حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى ضد المتمردين المسلمين في شمال شرق البلاد، وقد اتهم المرتزقة الروس بارتكاب انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان في ذلك الصراع. ويظهر مقطع فيديو نشر مؤخرًا وحدة من الجنود من جمهورية إفريقيا الوسطى مع قائدها، وهم يصرحون بأنهم مستعدون للقتال مع روسيا ضد «القوميين الأوكرانيين». وعلى الرغم من أن الفيديو بدا مصطنعًا للغاية، إلا أن موسكو استخدمته في حملاتها الدعائية لإظهار الدعم العالمي لروسيا في الحرب.
وتنفي روسيا المزاعم بشأن انتهاكاتها في جمهورية إفريقيا الوسطى وترفض أي تحقيق فيها، بينما يشير سفيرها في جمهورية إفريقيا الوسطى إلى دعم الناتو لأوكرانيا باعتباره انتهاكًا مشابهًا ويطالب الناتو بحظر أوكرانيا من الانضمام إليه. هذا هو السياق الذي أراد فيه جنود جمهورية إفريقيا الوسطى أن يُظهروا لروسيا أنهم يدعمون الحرب على أوكرانيا مقابل استمرار تدفق الإمدادات الروسية بالسلاح والعتاد والتدريب. ومع ذلك، فلا يزال من غير المحتمل أن تنشر روسيا جنود جمهورية إفريقيا الوسطى في أوكرانيا لمحاربة المتمردين في الداخل وذلك لجهلهم باللغة والتضاريس والطقس وأسلوب القتال في أوكرانيا. وحتى الآن، يبدو أن كل المقاتلين الأجانب الذين يدعمون روسيا في أوكرانيا قد أتوا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أو منطقة نفوذ روسيا القريبة في القوقاز، وربما من الشرق الأوسط إذا عمد بوتين بالفعل إلى استقدام المرتزقة السوريين المرتبطين بنظام الأسد.
بشكل عام، وفي ظل غياب الدعم الدولي لغزو أوكرانيا، عمدت روسيا إلى مغازلة الحكومات في إفريقيا، وشمل ذلك، إلى جانب جمهورية إفريقيا الوسطى، حكومة السودان. وقبل يوم واحد من الغزو، زار وفد سوداني روسيا لمناقشة «الأمن القومي» لكلا البلدين ضمن مسائل أخرى، وقد عنى ذلك دعما ضمنيا لروسيا. وتمتلك كل من جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان مواقع تعدين غنية بالموارد تسعى روسيا لاستغلالها مقابل الدعم العسكري لحكومتي البلدين. وبناء على ذلك، يعمل كلا البلدين على تحسين العلاقات مع موسكو، على الرغم من نبذ الكرملين في أماكن أخرى حول العالم.
وعلاقات روسيا مع السودان تشبه علاقاتها مع مالي. فقد أدى انقلاب السودان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى بقاء اللواء عبد الفتاح البرهان في السلطة ووقف عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد. وبالمثل، وقع الانقلاب العسكري في مالي في أيار (مايو) الماضي، أي قبل انقلاب السودان، ولم تجر في البلاد أي انتخابات ديمقراطية كما وعد في البداية. وقد أدى امتناع الجيش المالي عن تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية إلى قيام فرنسا بشكل أساسي، وكذلك الدول الأوروبية الأخرى، بما في ذلك الدنمارك والسويد والنرويج وإستونيا، بسحب قواتها من البلاد، وإلى تدهور علاقاتها مع المجلس العسكري بشكل كبير. وقد استغلت روسيا ابتعاد الدول الأوروبية عن الطغمة العسكرية في مالي فتقربت منها، وقدمت لها مدربين عسكريين ومرتزقة من مجموعة فاغنر للتدريب والعمل مع القوات النظامية. ولكن عدد القوات الروسية في مالي، والذي لا يتجاوز بضع مئات، أقل بكثير من عديد القوات الفرنسية التي كانت تنتشر سابقا في مالي والبالغ 5000 جندي للمساعدة في مكافحة تنظيمي القاعدة وداعش. ولذلك فإن الدعم الروسي يبقى إلى الآن في إطار إرسال الإشارات: إشارات من موسكو إلى الغرب بأنها تنوي الحلول محل الفرنسيين وإشارات من المجلس العسكري المالي إلى باريس بأنه لا يحتاج إلى الدعم الفرنسي إذا كان دعما مشروطا.
وقد استفادت روسيا من أن تجربة الدول الأفريقية مع سفر عشرات المواطنين للقتال مع تنظيم داعش كانت تجربة مريرة، ولذلك فهي الآن مترددة في السماح لأي من رعاياها بالسفر لدعم أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، قبل العشرات من المواطنين السنغاليين والجزائريين دعوة أوكرانيا لهم للانضمام إلى الفيلق الدولي في أوكرانيا، لكن كلا الحكومتين طالبت أوكرانيا بوقف التجنيد في بلديهما. وعلى ذلك فإن روسيا في إفريقيا تستفيد في كثير من الحالات من دعمها العسكري للدول الإفريقية لتأمين دعم القادة الأفارقة لحربها، وتستفيد في حالات أخرى من حذر الدول الأفريقية من التورط في صراع أجنبي شرس، حتى لو كانت متعاطفة مع أوكرانيا.