أوّل الكلام آخره:
- تتزايد حدّة سياسة الولايات المتحدة وحلفائها تجاه إيران مع تزايد التهديدات المختلفة التي تشكلها طهران ولا سيما تحالفها مع موسكو.
- من غير المرجح استئناف المفاوضات المتوقفة منذ فترة لإحياء الاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015، ويتوقّع أن تعمل إيران على تعزيز برنامجها النووي ليقترب أكثر فأكثر من الحدّ الذي يسمح لها بصناعة الأسلحة النووية.
- ستستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في تصنيف كيانات وأشخاص من إيران ومن دول أخرى في نطاق المسهلين لبرنامج إيران النووي وفي فرض عقوبات عليهم، لكن من المرجح ألّا تحقق مثل هذه العقوبات وحدها أهداف سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.
- ستزداد احتمالية نشوب صراع مسلح في عام 2023 مع تزايد قلق الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين والدوليين بشأن التقدم النووي الإيراني ودعمها للجهود الحربية الروسية.
بدأ العام الماضي بتفاؤل واسع بشأن مسار العلاقات الأمريكية مع إيران، إذ بدا آنئذ أن المحادثات المتعددة الأطراف لاستعادة التزام الولايات المتحدة وإيران الكامل بالاتفاق النووي المعقود عام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، تحقق تقدمًا. وكانت إدارة ترامب قد ألغت الاتفاقية في عام 2018. وفي مناسبتين على الأقل في عام 2022، كان آخرهما في أغسطس، ادعى المسؤولون الأوروبيون أن الصفقة كانت وشيكة، وتوقعوا بثقة أن التوترات الغربية مع إيران ستخف. ولكن طهران امتنعت في اللحظة الأخيرة عن القبول بالتسويات النهائية المطلوبة للاتفاق، متهمة الولايات المتحدة بأنها تطالب بمطالب غير معقولة. ومع توقف المفاوضات منذ سبتمبر، كثفت الجمهورية الإسلامية تخصيبها لليورانيوم لدرجة أن خبراء الانتشار النووي يقدرون أنه لا تفصل إيران سوى أسابيع قليلة عن الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج سلاح نووي. وتزامن التقدم النووي الإيراني في أواخر عام 2022 مع تنامي القلق الغربي بشأن دعم طهران المتزايد للجهود الحربية الروسية المتعثرة في أوكرانيا، حيث زودت طهران موسكو بآلاف الطائرات الإيرانية الميسرة وبالصواريخ الباليستية القصيرة المدى. وتزامن الاصطفاف المتنامي للقيادة الإيرانية مع موسكو مع حملة قمع متصاعدة ضد المتظاهرين المعارضين للقمع الداخلي في إطار الانتفاضة التي اندلعت عقب وفاة شابة كردية في منتصف سبتمبر أثناء احتجازها لعدم امتثالها لقوانين النظام التي تتطلب تغطية كاملة لشعرها.
وقد أدى تراكم الإجراءات الإيرانية العدوانية إلى تقليص فرص إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي 4 يناير 2023 قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إن الولايات المتحدة لم تلاحظ أي تغيير من الجانب الإيراني يسوّغ استئناف مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في فيينا. وأضاف: «منذ سبتمبر على وجه الخصوص، كان تركيزنا على الوقوف مع الشعب الإيراني لدعم حقوقه بالحريات الأساسية وفي مواجهة الشراكة العسكرية الإيرانية الروسية ودعم إيران لحرب روسيا في أوكرانيا». وتدعم اليوم مختلف الأطراف في الولايات المتحدة فرض عقوبات إضافية على منتهكي حقوق الإنسان الإيرانيين وعلى البنية التحتية لإنتاج الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية. كما غادر بعض أعضاء فريق التفاوض الخاص التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، دون أن يعلن المسؤولون الأمريكيون رسميا انتهاء المحادثات، تحسبا لاحتمال أن تستغل إيران ذلك للتقدم إلى ما يسمّى بـ «العتبة» النووية – أي امتلاك القدرة على التجميع السريع لسلاح نووي فعال متى ما قررت الحكومة ذلك.
ولكن خيارات الولايات المتحدة وحلفائها لتغيير سلوك إيران جذريا – سواء فيما يتعلق ببرنامجها النووي، أو تحالفها مع روسيا، أو دعمها للفصائل المسلحة الإقليمية، أو قمعها الداخلي – تبقى محدودة. ومنذ عام 2010، توسعت العقوبات الثانوية الأمريكية – التي تقضي باستبعاد الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات من النظام المالي الأمريكي – وهي تستهدف اليوم تقريبًا كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الإيراني. وقد فرضت الولايات المتحدة (وبعض الحلفاء أحيانا) عقوبات على كبار المسؤولين الإيرانيين والقادة والوحدات التابعة للحرس الثوري الإسلامي وكيانات إنفاذ القانون الإيرانية الأخرى ومنشآت الصواريخ والطائرات المسيرة والشركات النفطية والبنوك وشبكات التمويل غير النظامية. وقد أدى ذلك إلى إخراج البنوك الإيرانية عمليا من النظام المالي العالمي. وفي أواخر ديسمبر، أشار المسؤولون الأمريكيون إلى عزمهم فرض عقوبات إضافية لمحاولة الحد من إمداد إيران لروسيا بالطائرات المسيرة. وصرحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون: «نحن نبحث عن طرق لاستهداف إنتاج [الطائرات المسيرة] الإيرانية من خلال العقوبات والتحدث إلى الشركات الخاصة التي استخدمت بعض أجزائها في الإنتاج. ونقوم بتقييم المزيد من الخطوات التي يمكننا اتخاذها فيما يتعلق بضوابط التصدير لتقييد وصول إيران إلى التقنيات المستخدمة في الطائرات المسيّرة». وقد أضرت العقوبات الأمريكية بالاقتصاد الإيراني إضرارا فادحا، لكنها أخفقت في دفع القادة الإيرانيين لقبول الحلول الوسط اللازمة لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، أو خفض مبيعاتهم من المعدات العسكرية إلى روسيا، أو وقف قمعهم للمتظاهرين المحليين. ومن المرجح أن يعرب المسؤولون الأمريكيون والخبراء الخارجيون عن الإحباط من أن العقوبات وحدها غير كافية لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية تجاه إيران.
والسؤال الرئيسي اليوم هو ما إذا كانت الولايات المتحدة أو حلفاؤها يرون أن الخيارات العسكرية قد تكون ضرورية لمواجهة التهديدات المتنوعة التي تشكلها إيران. ومع تقدم البرنامج النووي الإيراني، سيزداد احتمال قيام الحكومة الإسرائيلية المتشددة برئاسة بنيامين نتنياهو بضربات جوية استراتيجية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. ولا يمكن استبعاد العمل العسكري الإسرائيلي الصريح ضد المنشآت النووية الإيرانية في عام 2023 – بموافقة أمريكية أو بدونها – إذا قامت إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تصل إلى مستوى صنع الأسلحة (90 % نقاء). في السياق الحالي، تتزايد أيضًا إمكانية القيام بعمل عسكري أمريكي جديد ضد القوات والأصول الإيرانية. وفي 4 يناير، اعترف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بأن الولايات المتحدة وإسرائيل ناقشا الجهود المحتملة لمنع «انتشار تكنولوجيا [الطائرات المسيرة] الإيرانية إلى دول متعددة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك روسيا». على أن الجهود العسكرية الأمريكية ضد إيران ليست جديدة: فعلى مدى السنوات الثماني الماضية، كانت القوات الأمريكية تعترض شحنات الأسلحة الإيرانية إلى جماعة الحوثي في اليمن. وعلى مدى العقد الماضي، رد الجيش الأمريكي باستمرار على الهجمات على القوات الأمريكية التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وعلى مدى العقدين الماضيين، أطلقت عناصر البحرية الأمريكية، في مناسبات عديدة، طلقات تحذيرية على الوحدات البحرية للحرس الثوري الإيراني، مما أدى إلى تأزم الأوضاع في الخليج العربي واقترابها من حد المواجهة. ومع ذلك، فحتى الآن – وحتى في أوقات التوترات المتصاعدة – لم تشن الولايات المتحدة ضربات على منشآت صاروخية أو منشآت لتصنيع الطائرات المسيرة أو أي منشآت نووية أو عسكرية أخرى داخل إيران. ومع ذلك، فقد أكد المسؤولون الأمريكيون دائمًا أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» ردًا على التهديدات الإيرانية المتصاعدة.
يجادل بعض الخبراء والمسؤولين الأمريكيين السابقين بأن إسقاط النظام الإيراني هو الأمر الوحيد الذي سيعالج التهديدات العديدة التي يشكلها النظام الإسلامي. وقد قدم المسؤولون الأمريكيون دعمًا عامًا للمتظاهرين الإيرانيين في الانتفاضة المستمرة، مع الإدراك بأن نفوذ الولايات المتحدة لإسقاط الحكومة أو النظام ضئيل للغاية. ويبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها يأملون وقوع تغيير ما في النظام الإيراني عام 2023، غير أنهم لا يتوقعون حدوث مثل هذا التغيير، ولن يبقى أمامهم سوى التخطيط لحزمة جديدة من الخطوات الاقتصادية والعسكرية التصعيدية في محاولة للحد من مجموعة التهديدات المتزايدة التي تشكلها إيران.