أوّل الكلام آخره:
- قد يسهم تزعزع الاستقرار في البيرو إلى عودة ظهور جماعة «الدرب المضيء»، وهي جماعة متمردة ماوية لها تاريخ حافل بسفك الدماء وارتكاب أعمال العنف.
- قبل أسبوعين، ذبح 16 شخصا في مقاطعة ويسكاتان، معقل جماعة «الدرب المضيء»، وتركت بيانات منسوبة إلى الجماعة بجوار الجثث.
- تدهور اقتصاد البيرو جراء الوباء، مما قد يدفع المزيد من الناس إلى الأعمال الاقتصادية غير المشروعة، ويعزز منظمات الإرهاب المتعلق بالمخدرات.
- قد تقطع انتخابات البيرو واحتمالية تجدد التمرد فيها الشك باليقين فيما إذا كانت إدارة بايدن ستنفذ تعهداتها بتخصيص المزيد من الموارد لأمريكا اللاتينية.
في ظل استمرار احتساب الأصوات من انتخابات بيرو يوم الأحد الفائت، يبرز قلق واسع النطاق في جميع أنحاء البلاد من أن تزعزع الاستقرار المتزايد قد يؤدي إلى عودة ظهور جماعة «الدرب المضيء»، وهي جماعة متمردة ماوية لها تاريخ حافل بسفك الدماء وارتكاب أعمال عنف ولطالما أرهبت البيرو خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات. وبشكل عام، قتل ما يقارب 70,000 مواطن من البيرو، معظمهم من المدنيين غير المسلحين، في القتال بين الحكومة والمتمردين. وبعد هذا القتال الذي وصف بـ«الحرب القذرة» بسبب الوحشية العشوائية وانتهاكات حقوق الإنسان من جميع الأطراف، تفككت جماعة «الدرب المضيء» بعد القبض على زعيمها، أبيميل غوزمان عام 1992، وظهرت جماعات منشقة صغيرة، حولت تركيزها من أعمال التمرد والإرهاب إلى الأنشطة الإجرامية، على الرغم من استمرار الهجمات على قوات الأمن وإن على نحو متقطع. وانعكاسا لهذه التجربة، قادت البيرو المفاوضات خلال فترة رئاستها للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، وصولا إلى اعتماد قرار بالإجماع يركز على تداخل الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو القرار 2482 (2019).
وتشير التطورات الأخيرة في البيرو إلى أن الحزب الشيوعي العسكري، وهو مجموعة منشقة من جماعة «الدرب المضيء»، بصدد العودة. وقبل أسبوعين، ذبح ستة عشر شخصا، منهم أطفال، في مقاطعة ويسكاتان، الواقعة في وادي الأنهار ( أبوريماك وإيني ومانتارو) في البيرو، وهي واحدة من المناطق الرائدة في زراعة الكوكا في العالم، وهي نقطة ساخنة للإرهابيين والمنظمات الإجرامية وتجار المخدرات. والجدير بالذكر أنه علقت على الجثث كتيبات منسوبة إلى مجموعة منشقة من جماعة «الدرب المضيء». وقد بقيت منطقة الوادي في حالة الطوارئ منذ عام 2003 وبعيدة إلى حد كبير عن متناول الحكومة. وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من أسر الفلاحين في هذه المنطقة يعملون في الاتجار في المخدرات، إذ أسهمت عملية إنتاجها، من زراعتها إلى تكريرها وتوزيعها، في توفير سبل العيش لأجيال عدة من البيروفيين. وعليه، فإن استراتيجية مكافحة المخدرات الشديدة التي تتبعها الشرطة والجيش البيروفي ومحاولة القضاء على زراعة الكوكا كانت تحمل في كثير من الأحيان نتائج عكسية إذ فشلت في «كسب قلوب السكان وعقولهم»، والذي يبقى أحد الأهداف الرئيسة لمكافحة التمرد.
وخلال ذروة نشاط الجماعة في الثمانينيات، كانت بيرو رائدة في إنتاج أوراق الكوكا ومعجون الكوكا. وجاءت جائحة الكورونا مؤخرا لتدمر مجتمع بيرو واقتصادها، وإذا استمرت المشاكل الاقتصادية، على حسب توقع العديد من الاقتصاديين، فسيعيش المزيد من الناس تحت خط الفقر. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل في الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشمل تجارة الكوكا وتهريب المخدرات والاتجار بها بصورة غير مشروعة. وفي العام الماضي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي في بيرو بنسبة 11%. ونسبة لعدد السكان في العالم، تسجل بيرو أعلى معدل للوفيات بسبب كورونا، بما يعادل 213 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص. وقد أسهم التقلب السياسي واتساع فجوة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي إلى إضعاف المؤسسات الديمقراطية في بيرو، مما يفيد المنظمات الإرهابية والمتمردة والإجرامية التي تتطلع إلى الاستفادة من الغضب المتزايد ضد الحكومة لتجنيد أعضاء جدد.
وكما هو الحال في مناطق أخرى في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، ومنها بوليفيا وتشيلي وكولومبيا، خرج مواطنو البيرو إلى الشوارع للمشاركة في احتجاجات ضخمة نهاية عام 2020. ومع ذلك، فحتى التغيير الذي يلوح في الأفق في القيادة لن يسهم كثيرا في تهدئة المواطنين العاديين، لأن كلا المرشحين الرئاسيين الحاليين غير محبوبين إلى حد كبير. فالمرشح الأول، وهو بيدرو كاستيو من حزب بيرو الحر اليساري المتطرف هو مدرس ريفي اكتسب شهرة واسعة لدوره في قيادة إضراب المعلمين. إلا أنه تعرض لانتقادات واسعة بسبب سياسات حزبه الماركسية-اللينينية وتوجهت له اتهامات بالتعاطف مع حركة الواجهة السياسية (حركة العفو والحقوق الأساسية) لجماعة «الدرب المضيء» وأيديولوجيتها المتطرفة اليسارية، وهي مزاعم ينفيها كاستيو بقوة. أما المرشحة الأخرى للرئاسة، فهي كيكو فوجيموري، زعيمة حزب المعارضة، وهي تحتل الصدارة بفارق طفيف حتى اليوم مع استمرار فرز الأصوات من يوم الأحد. وكيكو هي ابنة الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري، الذي اشتهر بشن الحرب الوحشية على جماعة «الدرب المضيء» في التسعينيات. ويقضي الرئيس السابق حاليا حكما بالسجن لمدة 25 عاما بتهمة الفساد وغيرها من التهم. وقد تعهدت إدارة بايدن، منذ بداية حكمها، بأن تكرس لأمريكا اللاتينية اهتماما وموارد أكثر مما فعلت الإدارات السابقة. وستكون انتخابات بيرو وإمكانية تجدد التمرد في المناطق النائية الريفية اختبارا لها لمعرفة ما إذا كانت واشنطن ستفي بوعدها أو ستبقى الأزمات المستمرة في الشرق الأوسط وغيرها من النقاط الساخنة التقليدية تستهلك قواها. وفضلا عن ذلك، وفيما تركز العديد من البلدان مخاوفها في مكافحة الإرهاب على تصاعد الجماعات اليمينية المتطرفة العنيفة، فإن عودة ظهور مجموعات مثل جماعة «الدرب المضيء»، وقضايا أخرى كتدمير الوباء للاقتصادات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، ستؤكد من جديد الحاجة إلى اعتماد مناهج دولية لمكافحة الإرهاب يمكن تكييفها مع مجموعة واسعة من التهديدات.