أوّل الكلام آخره:
- اختتمت القمة التاسعة للأمريكيتين يوم الجمعة الماضي في لوس أنجلوس، والتي وإن كانت تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي عبر الأمريكيتين، إلا أنها سلطت هذا العام أيضًا الضوء على الانقسامات العميقة الموجودة داخل النصف الغربي للكرة الأرضية.
- صرف قرار استبعاد القادة الديكتاتوريين الثلاثة والمقاطعات التي نجمت عن هذا القرار الانتباه عن القضايا الأكثر جوهرية التي تناولتها القمة.
- إلى جانب الوعود بالتمويل، والزيادات في تأشيرات العمال الزراعيين المؤقتين، وتعهدات إعادة توطين اللاجئين، يتضمن إعلان لوس أنجلوس أيضًا تدابير لمكافحة الاتجار بالبشر.
- وفي عصر تنافس القوى العظمى، فإن تهميش الأنظمة غير الممتثلة لا يخلو من المخاطر – فكل من روسيا والصين يمكنها أن تنسج شراكات استراتيجية بديلة مع القادة الساخطين داخل الأمريكيتين.
اختتمت القمة التاسعة للأمريكيتين يوم الجمعة الماضي في لوس أنجلوس، والتي وإن كانت تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي عبر أمريكا الشمالية والجنوبية والوسطى ومنطقة البحر الكاريبي إلا أنها سلطت هذا العام أيضًا الضوء على الانقسامات العميقة الموجودة داخل النصف الغربي للكرة الأرضية. وقد حظيت الأيام التي سبقت القمة باهتمام إعلامي أكبر من الاهتمام الذي حظي به الحدث نفسه. فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها، وهي تستضيف الحدث للمرة الأولى منذ عام 1994، في مواجهة مهمة لا تحسد عليها، فقد كانت مضطرة إلى صياغة قائمة الضيوف. وقد اختار الرئيس بايدن اعتماد سياسة خارجية مناهضة للاستبداد بشكل صريح، فلم يدع الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل ولا رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ولا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وهم القادة الثلاثة المتهمون بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وبممارسات غير ديمقراطية متنوعة، مثل إسكات شخصيات المعارضة المحلية واعتقالها. والحق أن الحكومة الشيوعية في كوبا (البالغة من العمر 65 عامًا) لم تدع لحضور أي قمة في السابق إلا عندما استضافت بنما الحدث في عام 2015. أما أورتيجا ومادورو فقد نبذا بسبب حملات القمع التي شناها على المعارضة المحلية، وتحالفهما مع خصوم الولايات المتحدة كإيران وروسيا.
وقد اعترض عدد من قادة أمريكا اللاتينية، بمن فيهم قادة المكسيك وتشيلي والأرجنتين، علنًا على القرار. وفي النهاية، اختار قادة المكسيك وهندوراس وغواتيمالا وبوليفيا والسلفادور مقاطعة الحدث، وأرسلوا وزراء الخارجية بدلًا منهم. ومن المحتمل أن يكون غيابهم، وخاصة غياب الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، قد ظل حاضرا طوال القمة. ولكن قرار استبعاد القادة الديكتاتوريين الثلاثة والمقاطعات التي نجمت عن هذا القرار صرفت الانتباه عن القضايا الأكثر جوهرية التي تناولتها القمة. وعلى الرغم من المخاوف بشأن تشكيك الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو بالعملية الانتخابية في بلاده وفي الولايات المتحدة، فقد قرر الرئيس بايدن مقابلته لأول مرة خلال القمة. وكان من المتوقع أن يكون الاجتماع واحدًا من أكثر الاجتماعات إثارة للجدل في القمة، ومع ذلك، فقد طغى تبادل المجاملات على الجزء المعلن من اجتماعهما. ومن المحتمل أن يكون الجدل الذي سبق القمة ورافقها قد تفاقم بسبب حقيقة أن بايدن قد التقى بقادة استبداديين من دول الآسيان الشهر الماضي في زيارة إلى جنوب شرق آسيا، فضلا عن التقارير المؤكدة الآن بأن بايدن سيلتقي مع ولي العهد السعودي في تموز (يوليو). ونتيجة لذلك، فقد اتهم الكثيرون الإدارة بالنفاق.
وقد أعلن الرئيس بايدن عن مجموعة من المساعدات التعاونية وحزم التنمية، في مسعى منه لاستخدام القمة فرصة لتعزيز سياسته في أمريكا اللاتينية ولتحويل الأنظار بعيدًا عن الجدل الذي رافق القمة. هذا فضلا عن «إعلان لوس أنجلوس بشأن الهجرة والحماية» وهو إعلان على مستوى المنطقة مصمم لجعل الهجرة داخل الأمريكيتين أكثر أمانًا وتنظيمًا من خلال اعتماد برامج للعمال المؤقتين أو تحسين القائم منها. وقد تضافرت عوامل الوباء والعنف في المثلث الشمالي بأمريكا الوسطى والاضطرابات السياسية والاقتصادية في فنزويلا وهايتي لتتسبب بتدفقات غير مسبوقة من المهاجرين عبر المنطقة. وفي اليوم الأخير من القمة، وقعت 20 دولة على الإعلان، الذي يسعى إلى توزيع المسؤولية عن حل الأزمة في جميع أنحاء المنطقة، وذلك لتخفيف الضغط عن دول مثل كوستاريكا، حيث يشكل المهاجرون من فنزويلا الآن ما يصل إلى 10 % من السكان. وقد وعدت العديد من دول أمريكا اللاتينية باعتماد برامج العمال المؤقتين أو زيادتها، في حين أن مساهمات الولايات المتحدة بقيت مالية في المقام الأول. وإلى جانب الوعود بالتمويل، والزيادات في تأشيرات العمال الزراعيين المؤقتين، وتعهدات إعادة توطين اللاجئين، تضمن الإعلان أيضًا تدابير لمكافحة الاتجار بالبشر. ويعد الإعلان خطوة مهمة نحو معالجة أزمة المهاجرين الحالية، كما أن الالتزامات التي تعهدت بها البلدان عبر نصف الكرة الغربي (فضلا عن إسبانيا) مشجعة للغاية.
وعلى الرغم من الجدل الذي صاحب القمة، عادت استضافة الولايات المتحدة لها ببعض الفوائد الملموسة عليها. فقد كان الكثيرون يصفون سياسة الرئيس بايدن في أمريكا اللاتينية بأنها باهتة حتى هذه النقطة، لذا فقد وفرت القمة فرصة لمعالجة القضايا الرئيسية التي غالبًا ما تُهمل بسبب الأولويات الجيوسياسية. وفي حين أن قمة واحدة ليست كافية للتصدي بالكامل لهذه الانتقادات، إلا أنها وفرت نقطة انطلاق لإحراز تقدم في تدابير التعافي من الأوبئة وقضايا الهجرة. ومع ذلك، ففي عصر المنافسة الاستراتيجية المتجددة، فإن تهميش الأنظمة غير الممتثلة علنًا لا يخلو من المخاطر. فكل من روسيا والصين يمكنها أن تنسج شراكات استراتيجية بديلة مع القادة الساخطين داخل الأمريكيتين. وسيستمر القادة الاستبداديون وغير المنحازين داخل الأمريكيتين في التذرع بتهديد الجار الشمالي في الوقت الذي يشددون فيه قبضتهم على السلطة ويبحثون عن شركاء دوليين جدد.