أوّل الكلام آخره:
- بالنسبة للكثيرين من مختلف الأطياف السياسية في الولايات المتحدة، تعدّ قضية «رو ضد ويد» قضية حساسة للغاية ذات أبعاد دينية وأخلاقية وشخصية. وقد كانت قضية الإجهاض تاريخيًا مصدرًا للاضطرابات السياسية والعنف.
- حدث التسريب الأخير لمسودة الرأي من المحكمة العليا الأمريكية على خلفية الاستقطاب السياسي الهائل في الولايات المتحدة، وقد يؤدي إلى تأجيج المزيد من الانقسام وانعدام الثقة في الحكومة وتسييس القضاء.
- حذرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية من أن التغييرات في التشريعات المتعلقة بقضايا مثل الإجهاض يمكن أن تؤدي إلى زيادة التطرف العنيف المحلي المرتبط بالإجهاض من الجهات الفاعلة من جميع الأطراف.
- تستعد الوكالات الأمنية في الولايات المتحدة بالفعل لاحتمال وقوع الاضطرابات في أعقاب التسريبات وفي أعقاب الحكم المتوقع، وقد زادت من تشديد الأسوار الأمنية حول المحكمة، ومن اليقظة فيما يتعلق باتصالاتها.
يوم الاثنين 2 أيار (مايو)، نشرت بوليتيكو وثيقة مسربة للمحكمة العليا الأمريكية؛ طرح مشروع الرأي الذي صاغه القاضي صمويل أليتو حججًا لإلغاء الحكم في قضية رو ضد ويد الذي صدر عام 1973 والذي منح المرأة الحق في الخصوصية فيما يتعلق بالصحة الشخصية وضمان الوصول إلى عمليات إجهاض آمنة. وبالنسبة للعديد من الأمريكيين، كان الخبر صادما لجهة الشكل والمضمون؛ فالمحكمة العليا كانت تقليديا محاطة بالسرية المحكمة. وفي حين أن التأثير الفوري لمشروع القرار يتعلق بالسماح بإمكانية الوصول غير القانوني إلى الإجهاض الآمن والرعاية الصحية الإنجابية، برزت أيضًا بعض المخاوف من أن مشروع الرأي هذا يمكن أن يشكك في أحكام أخرى مثل الحكم في قضية Obergefell v. Hodges، تؤثر على الفرد، وعلى الخيارات في مسائل الزواج، أو حتى في الأحكام السابقة التي عُدت محطات رئيسية في تثبيت الحريات المدنية. وبالنسبة للكثيرين من مختلف الأطياف السياسية في الولايات المتحدة، تعدّ هذه القضية حساسة للغاية، فهي ذات أبعاد دينية وأخلاقية وشخصية متعددة. وفضلا عن ذلك، فقد كانت أيضًا مصدرًا للعنف والاضطراب السياسي، وقد وصفت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في تقرير أيار (مايو) 2021 العنف المرتبط بالإجهاض بأنه شكل من أشكال التطرف العنيف المحلي.
وعلى الرغم من أن الوثيقة المسربة كانت عبارة عن مسودة رأي، إلا أن رئيس المحكمة العليا جون روبرتس أكد بالفعل أنها وثيقة أصلية. وإذا اعتمدت الوثيقة في حزيران (يونيو)، فهي لن تقيد وصول النساء إلى الخدمات الصحية فحسب (ولا سيما أولئك اللائي يعانين من الفقر ولا يتمكن بسهولة من الوصول إلى خدمات الدعم)، بل ستتعدى آثارها إلى ضحايا العنف الأسري الذي تفاقم عالميًا خلال الجائحة. وعلاوة على ذلك، وفي ظل المستويات القياسية من الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، من المحتمل أن تؤجج الوثيقة المزيد من الانقسامات وانعدام الثقة في الحكومة والشعور بتسيس القضاء، مما يقوض الثقة في واحدة من المؤسسات الرئيسية في البلاد. ومن المحتمل أيضا أن يطبع حكم المحكمة المشهد السياسي عشية الانتخابات النصفية في خريف هذا العام على نحو يحشد الناخبين من جميع الأطراف.
وأثار كل من التسريب نفسه ومحتواه بالفعل شائعات كثيرة ونظريات مؤامرة فيما يتعلق بهوية الفرد الذي سرّب المستند ونيته. وقد افترض البعض أن المسرّب ينتمي إلى اليسار السياسي، وأنه يسعى إلى تشويه سمعة المحكمة ودفع الديمقراطيين إلى العمل السياسي، وأنه بعمله هذا قد عرّض سلامة القضاة الجمهوريين للخطر، على الرغم من أن أي حكم نهائي من شأنه أن يعلن عن مواقف القضاة الأفراد وتصويتهم. وجادل آخرون بأن جمهوريا ما هو من سرب الوثيقة لتقوية موقف المحكمة ومنعها عن التراجع.
وأعادت الأخبار الأخيرة التطرف العنيف المرتبط بالإجهاض إلى جدول الأعمال باعتباره مصدر قلق كبير للجهات الأمنية. وقد حذرت وزارة الأمن الداخلي مؤخرًا من أن التغييرات في التشريعات حول القضايا الساخنة مثل الإجهاض يمكن أن تؤدي إلى زيادة التطرف العنيف المحلي المرتبط بالإجهاض من الجهات الفاعلة عبر ألوان الطيف السياسي. وقد أدت جائحة كوفيد-19بالفعل إلى زيادة الهجمات على المستشفيات والعاملين الطبيين من قبل الجماعات التي تحدت التدابير والإجراءات الوقائية، بما في ذلك اللقاحات، أو رأت في الجائحة خدعة أو مؤامرة عالمية واسعة النطاق؛ وعلى نحو مشابه، تبرز اليوم مخاوف بشأن الآثار المترتبة على قرار المحكمة المتوقع لجهة أمن العاملين الطبيين في جميع أنحاء البلاد.
إن النشاط السياسي التعددي في نظام ديمقراطي هو بالطبع أمر إيجابي. ولكن التطرف العنيف المناهض للدولة يقع على قائمة المخاوف في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى، ومن المحتمل أن تسعى المجموعات العنيفة المعادية للدولة لاستغلال أي استقطاب يصاحب الحكم المتوقع. وبحسب بعض التقارير، تستعد الوكالات الأمنية في بعض الولايات لاحتمال الاضطرابات والعنف في أعقاب التسريب وفي أعقاب الحكم المتوقع، وقد نصبت أسوار أمنية عالية الآن حول المحكمة وزادت من اليقظة فيما يتعلق باتصالاتها. وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام قد ركزت على التسريب بوصفه القضية الكبرى، إلا أن مضمون الحكم وردود فعل الناخبين ستكون علامة تاريخية فارقة. وفي حين أن التسريب الأخير هو إلى حد كبير قضية أمريكية ومتأصلة في تاريخ الولايات المتحدة وقوانينها، فإن البلدان في جميع أنحاء العالم تراقب أيضًا هذه التطورات – فكثير منها قد صاغت قوانينها على المثال الأمريكي (مثل أيرلندا والمكسيك وكولومبيا والأرجنتين) – لمعرفة الاتجاه الأمريكي فيما يتعلق بقضايا الحريات أو الحقوق المدنية. ومع تزايد الخطر المحدق بالمجتمع المدني والنساء والأقليات والمدافعين عن حقوق الإنسان في العديد من البلدان، سيراقب صناع السياسات والمجتمعات عن كثب تداعيات التطورات في الولايات المتحدة على بلدانهم.