أوّل الكلام آخره:
- أكد مدير وكالة الأمن القومي الأمريكية وقائد القيادة الإلكترونية الأمريكية الجنرال بول ناكاسوني مؤخرا أن الولايات المتحدة قد انخرطت في عمليات إلكترونية هجومية لدعم أوكرانيا.
- يمكن أن يعدّ بيان الجنرال ناكاسوني خطوة تصعيدية، ولا سيما في سياق القرار الأمريكي الأخير بتزويد أوكرانيا بمدفعية صاروخية متطورة تُعرف باسم HIMARS.
- في الأول من مايو (أيار)، نسب مسؤولو الاتحاد الأوروبي علنًا هجومًا إلكترونيًا استهدف في شباط (فبراير) شركة الاتصالات الفضائية التجارية «فياسات» إلى الحكومة الروسية.
- قد يساعد ضعف استعداد الجيش الروسي في الأيام الأولى من الحملة في تفسير الافتقار إلى التنسيق بين المكونات العسكرية الإلكترونية والتقليدية لروسيا.
يعتقد الخبراء أن أوكرانيا (وداعميها الغربيين) وروسيا كانت قد انخرطت جميعا في مواجهة إلكترونية منذ فترة طويلة قبل غزو شباط (فبراير)؛ وكانت طبيعة هذه المواجهة السيبرانية وأطرافها موضع تكهنات كثيرة. وقبل الأسبوع الماضي، ركزت تعليقات الحكومة الأمريكية في المقام الأول على العدوان الروسي المباشر والتحذيرات من الهجمات الانتقامية ردًا على العقوبات الغربية. ولكن ذلك تغير في 1 حزيران (يونيو)، عندما أكد مدير وكالة الأمن القومي الأمريكية وقائد القيادة الإلكترونية الأمريكية الجنرال بول ناكاسوني أن الولايات المتحدة قد انخرطت في عمليات إلكترونية هجومية لدعم أوكرانيا. على أن محتوى الإعلان ليس مفاجئًا بالضرورة. فقد كان لدى وكالة الأمن القومي فرق «مطاردة» نشرتها في أوكرانيا في كانون الأول (ديسمبر)، ولعل روسيا، بوصفها هدفا لهذه العمليات، كانت مدركة، على الأقل جزئيًا، لوجودها. علاوة على ذلك، يتوافق هذا الكشف مع عقيدة المشاركة المستمرة التي تتبناها الولايات المتحدة والقاضية بالشراكة مع الحلفاء في العمليات الهجومية والدفاعية لتعطيل الجهات الفاعلة السيبرانية المعادية قبل أن تتمكن من تهديد الشبكات الأمريكية والحليفة. وهذه السياسة، التي توصف غالبًا باسم «الدفاع في الأمام»، توفر للفرق الإلكترونية الأمريكية مجالًا واسعًا للعمل على الشبكات المعادية وتعطيل الجهات الفاعلة في مناطقها الرقمية.
ومع ذلك، يمكن أن يعد التأكيد العلني للجنرال ناكاسوني خطوة تصعيدية، ولا سيما في سياق القرار الأمريكي الأخير بتزويد أوكرانيا بمدفعية صاروخية متطورة تعرف باسم أنظمة الصواريخ عالية الحركة (HIMARS)، وهي وحدة متنقلة يمكنها إطلاق صواريخ متعددة دقيقة التوجيه. ومع ذلك، وبغياب التفاصيل الإضافية حول العمليات الهجومية التي نفذتها الولايات المتحدة، فمن الصعب تقييم التأثير التصعيدي الحقيقي للبيان، وربما لا يكون البيان استفزازيًا بالفعل كما يبدو في البداية. فالعمليات السيبرانية الهجومية تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة، منها إتلاف شبكات الخصوم أو تعطيلها أو استهداف البنية التحتية المادية، وتشمل أيضًا استغلال تلك الشبكات لأغراض التجسس. وقد أقرت الولايات المتحدة بالفعل بتقديم دعم استخباراتي للحكومة الأوكرانية، ولذلك فمن الممكن تمامًا أن يكون الجنرال ناكاسوني يشير تحديدا إلى عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية. ومع ذلك، فإن التصعيد بطبيعته ليس أمرا موضوعيا، وفي أوقات الأزمات، يمكن للاستفزاز العادي ألا يواجه بنفس القدر من التسامح في الأحوال العادية.
وعلى الرغم من أن العمليات السيبرانية الروسية شكلت تهديدًا مستمرًا لأوكرانيا في السنوات الأخيرة، فقد تميز الصراع حتى الآن بتوظيفات محدودة للقدرات السيبرانية، ولم يتأثر السكان المدنيون إلى حد كبير بها. وفي الأول من أيار (مايو)، نسب مسؤولو الاتحاد الأوروبي علنًا هجومًا إلكترونيًا استهدف في شباط (فبراير) شركة الاتصالات الفضائية التجارية «فياسات» إلى الحكومة الروسية. وقد أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في تحرك بدا منسقًا، بيانات مماثلة بعد ساعات. ووفقًا لوزارة الخارجية البريطانية، فقد شُنّ الهجوم قبل ساعة من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا وكان يهدف إلى إضعاف شبكة القيادة والسيطرة الوطنية الأوكرانية. ويبدو أن الهجوم قد حقق هذا الهدف مؤقتًا؛ ومع ذلك، فقد تسبب أيضًا في انقطاع الإنترنت في العديد من البلدان الأوروبية، مما أدى إلى قطع اتصال الآلاف من المستخدمين الخاصين والتجاريين لمدة تصل إلى أسبوعين. وعلى الرغم من آثاره العملياتية المحدودة، فلا يزال هذا الهجوم هو العملية الإلكترونية الأبرز التي جرت حتى الآن في الحرب. وهذا لا يعني أنه لم تُنفّذ عمليات إلكترونية سرية كبيرة، فجميع الاحتمالات قائمة، كما يشير بيان الولايات المتحدة الأخير. لذلك، فمن المهم الاعتراف بالمرونة التي أظهرتها الدفاعات الإلكترونية في أوكرانيا. ويبدو أن سنوات الخبرة في صد الهجمات الإلكترونية الروسية ودعم الحلفاء الغربيين قد أعدت الأوكرانيين جيدًا للصراع.
ولكن غياب هجوم إلكتروني روسي فعال شكل مفاجأة لكثير من الخبراء والحكومات. ومع ذلك، فإن ضعف الاستعداد الذي أظهره الجيش الروسي في الأيام الأولى من الحملة قد يساعد في تفسير الافتقار إلى التنسيق بين المكونات العسكرية الإلكترونية والتقليدية لروسيا. وقد يكون أيضًا مؤشرًا على هدف بوتين الأولي المتمثل في استبدال نظام جديد بالقيادة الأوكرانية بسرعة. وفي هذه الحالة سيكون من المنطقي التركيز على هجوم إلكتروني لعزل القيادة الأوكرانية، مع الحد من الأضرار الجانبية في جميع أنحاء البلاد. وهذا لا يعني أن المجموعات الإلكترونية التابعة لروسيا أو المتحالفة معها لم تلعب دورًا في القتال؛ إذ تواصل الجهات الفاعلة في مجال التهديد السيبراني استهداف الحكومة الأوكرانية والجيش والبنية التحتية والمواطنين العاديين بهجمات لا تنال تغطية إعلامية وافية. وقد ركزت هذه الهجمات إلى حد كبير على جمع البيانات والتجسس، وتعطيل أنشطة الحكومة الأوكرانية وأنشطة الصناعة الرئيسية، ونشر معلومات مضللة لإرباك المدنيين الأوكرانيين وتشويش سردية الحرب. وهي تكتيكات تذكرنا بتدخل روسيا في السياسة الداخلية للولايات المتحدة. وحتى الآن، لم يلعب الإنترنت دورًا تصعيدًا علنيًا في غزو روسيا لأوكرانيا، ولكن مع استمرار الحرب ومع الإحساس بالتعب، سيسعى كلا الجانبين إلى الحصول على مزايا جديدة لقلب الموازين لصالحهما.