أوّل الكلام آخرُه:
- تُعدّ أمريكا الوسطى من بين أكثر المناطق خطرًا في العالم حيث تُعاني المنطقة من مزيجٍ من الفساد السياسيّ وسطوة المجموعات الإجراميّة في ظلّ معدّلات قتلٍ عاليةٍ.
- ولعلّ معدّلات العنف وجرائم القتل ضدّ النساء هي الأبرز في هذا الإطار؛ ففي السلفادور مثلًا قُتلت امرأةٌ واحدةٌ كلّ ثلاثة أيّامٍ في المتوسّط على مدار سنة 2019، ولم يتوصّل إلى نتائج في التحقيقات إلّا في حالاتٍ قليلةٍ.
- وقد أدّت عمليّات العنف الّتي تقوم بها عصابات الاتّجار بالمخدّرات إلى هروب آلاف المواطنين خارج بلادهم، الأمر الّذي عقّد عمليّات الهجرة وطلب اللجوء.
- إنّ الضعف على مستوى قيادة الديبلوماسيّة الأمريكيّة، وسياسات الهجرة الأمريكيّة الصارمة، فضلًا عن إلغاء الولايات المتّحدة الأمريكيّة في العام 2019 للمساعدات المقدّمة لدول المنطقة لم تؤدِّ إلّا إلى تفاقم هذه الأزمة.
اكتشفت السلطات الحكوميّة مؤخّرًا أطول نفقٍ للتهريب يمتدّ من تيخوانا الواقعة على بُعد حوالي ثلاثة أرباع الميل من الحدود الشماليّة للمكسيك، إلى سان دييغو في كاليفورنيا. ويمثّل هذا الاكتشاف نجاحًا لمسؤولي الأمن في الولايات المتّحدة، لكنّه يُوضح ما يبدو أنّ عصابات المخدّرات مستعدّةٌ لعمله للتهرّب من تنظيمات الحدود والوصول إلى السوق الأمريكيّة المربحة. وفي جميع أنحاء المكسيك وعبر أمريكا اللاتينيّة، تستفيد منظّمات تهريب المخدّرات والعصابات الإجراميّة من سوء الحكم وضعف سيادة القانون وارتفاع مستويات الفساد. والعديد من هذه الكارتلات معروفةٌ جيّدًا ككارتل سينالوا وعصابة الخليج ولوس زيتاس كارتل، ولها نطاق عمليّاتٍ يمتدّ من دولٍ في أمريكا اللاتينيّة ككولومبيا والبيرو وصولًا إلى الحدود بين الولايات المتّحدة والمكسيك. وقد أدّت عمليّات العنف الّتي تقوم بها عصابات الاتّجار بالمخدّرات إلى هروب آلاف المواطنين خارج بلادهم، الأمر الّذي فاقم التعقيدات المرتبطة بعمليّات الهجرة وطلب اللجوء. وتعمل منظّمات تهريب المخدّرات في المنطقة من دون عقابٍ أو رادعٍ. وهي تدير الجماعات المحلّيّة لتهريب المخدّرات، بينما تعتمد العنف والرشوة للتأثير في الشرطة ورؤساء البلديّات والسياسيّين البارزين ونخب الأعمال.
ولقد كان عام 2019 في المكسيك أكثر الأعوام دمويّةً على الإطلاق، حيث بلغ عدد ضحايا القتل العمد حوالي 35000 ضحيّةٍ. وقد ساهمت العديد من العوامل في زيادة عدد الضحايا، بما في ذلك تصارع المجموعات المختلفة للسيطرة على طرق التهريب للوصول إلى سوق الفنتانيل المربح في الولايات المتّحدة. وفي هذه الأثناء، اتّبع الرئيس أندريس مانويل لوبيز إستراتيجيّة «العناق بدلًا من الرصاص» الّتي تركّز على الحلول غير الأمنيّة لمشكلة الكارتلات. وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر، بعد أن اعتقلت قوّات الأمن المكسيكيّة نجل خواكين التشابو جوزمان، حاصرت الكارتلات مدينة كوليان، الأمر الّذي أدّى إلى إطلاق سراحه. والوضع الحاليّ يُشير إلى أنّ إستراتيجيّة الرئيس لم تكن ناجحةً. وإذا ذهبنا جنوبًا إلى السلفادور، نجد عاصمة البلاد تتنازعها جماعتان إجراميّتان وهما M-18 وMS-13. وغالبًا ما يصعب على المواطنين الّذين يعيشون داخل المناطق الّتي تُسيطر عليها العصابات التنقّل بأمانٍ بين الأحياء من دون الخوف من العقاب. وتشير التقديرات إلى أنّ عدد الأعضاء الناشطين في هذه العصابات يبلغ 65000، فضلًا عن عددٍ يتراوح بين 400000 و 500000 من الأفراد المرتبطين بها ممّن يكتسبون أموالهم من خلال الابتزاز وتهريب المخدّرات والسطو المسلّح. وعلى هذا، فجرائم القتل والاختفاء تُعدّ حوادث عاديّةً. كما أنّ النساء يتعرّضن بشكلٍ خاصٍّ إلى العنف والقتل. فعلى سبيل المثال، قُتلت امرأةٌ واحدةٌ كلّ ثلاثة أيّامٍ في المتوسّط على مدار سنة 2019، وقد فتح التحقيق في 148 حالة قتلٍ عمدٍ استهدف النساء، ولكنّه لم يتوصّل إلى نتائج حاسمةٍ في التحقيقات إلّا في حالاتٍ قليلةٍ. وعرض تقريرٌ حديثٌ لهيومن رايتس ووتش بالتفصيل لمعاناة بعض الأشخاص الّذين رُحِّلوا من الولايات المتّحدة إلى السلفادور وتعرّضهم للقتل أو لسوء المعاملة، بما في ذلك الاعتداء الجنسيّ والتعذيب.
أمّا جواتيمالا البلد المجاور، فتبقى بلدًا خطرًا للغاية، بالرغم من أنّ العصابات الإجراميّة لا تسيطر على نطاقٍ واسعٍ من الأراضي على نحو ما عليه الحال في السلفادور. وعلى وجه الخصوص، فإنّ المنطقة الحدوديّة مع المكسيك تُعدّ غير آمنةٍ كلّيًّا لأنّ الكارتلات الجواتيماليّة والمكسيكيّة تتصارع على السيطرة على تلك المنطقة. ومدينة جواتيمالا قلقةٌ أيضًا من أنّ انتهاء التحقيق الّذي تجريه الأمم المتّحدة حول الفساد قد يُضاعف أعمال العنف. والتحقيق المذكور هو ذلك الّذي تقوم عليه المفوّضيّة الدوليّة لمكافحة الإفلات من العقاب في جواتيمالا، والّتي ينظر إليها عمومًا بوصفها عاملًا مهمًّا في الحدّ من سطوة العصابات وصلاتها بالحكومة. وفي هندوراس حامت الشكوك حول انخراط رئيس الجمهوريّة نفسه في نظام الفساد بعد أن حُكم على أخيه بتهمة الاتّجار بالمخدّرات في قضيّةٍ كبرى فضحت الصلات بين كبار تجّار المخدّرات في البلاد وسماسرة السياسة. وأظهرت تحقيقات هذه المحاكمة أنّ عصابات المخدّرات في هندوراس استخدمت بعض أرباحها للتأثير في الانتخابات الرئاسيّة في البلاد. وقد تراجع الاستقرار الأمنيّ بشكلٍ كبيرٍ إلى الحدّ الّذي دفع وزارة الخارجيّة الأمريكيّة لإصدار تحذيرٍ في حزيران/ يونيو الماضي من أنّ عمليّات الابتزاز والعنف والإجرام والاغتصاب والاتّجار بالمخدّرات الّتي تقوم بها العصابات الإجراميّة تعدّ جميعًا أمورًا معتادةً في البلاد.
وأمريكا الوسطى تعجّ بالأسلحة الّتي خلّفتها الحروب الأهليّة والانقلابات العسكريّة المتتالية. وقدرة الدول فيها على مواجهة الأزمات الأمنيّة الإنسانيّة محدودةٌ. ولعلّ من أكبر تأثيرات الأعمال العنيفة موجات الهجرة القسريّة نحو الحدود الأمريكيّة. فقد تحوّلت قرًى بأكملها في تلك المنطقة إلى مدن أشباحٍ حيث هرب السكّان خوفًا من عنف الكارتلات والعصابات الإجراميّة. إنّ الضعف على مستوى قيادة الديبلوماسيّة الأمريكيّة، وسياسات الهجرة الأمريكيّة الصارمة، فضلًا عن إلغاء الولايات المتّحدة الأمريكيّة في العام 2019 للمساعدات المقدّمة لدول المنطقة لم تؤدِّ إلّا إلى تفاقم هذه الأزمة. ويذكر أنّ وزارة الخارجيّة الأمريكيّة قد تخلّفت مؤخّرًا عن تقديم معلوماتٍ للكونجرس حول قطع إدارة ترامب للمساعدات الخارجيّة لأمريكا الوسطى العام الماضي وهي معلوماتٌ كان يتوجّب على الوزارة أن تقدّمها قبل الـ 18 من كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2019. أمّا في آذار/ مارس من العام 2019، فقد ألغت إدارة ترامب مبلغًا مخصّصًا للتمويل قدره 405 مليون دولارٍ (من موازنة 2018) كان من المتوجّب أن يُقدّم إلى ثلاثة بلدانٍ هي هندوراس وجواتيمالا والسلفادور، وجمّدت أيّ مساعداتٍ مستقبليّة. وعلى هذا كلّه، فلا يبدو أنّ أمن المواطنين في أمريكا الوسطى في أحسن حالاته. فإنّ مجموعةً من العوامل أدّت إلى تأزّم الوضع الأمنيّ بشكلٍ كبيرٍ خلال السنة الماضية وهو أمرٌ من المتوقّع أن يستمرّ خلال سنة 2020 وما بعدها، وهذه العوامل هي مزيجٌ من الفساد السياسيّ والاتّجار بالمخدّرات وظاهرة العنف المتزايدة فضلًا عن سياسات الهجرة الأمريكيّة الّتي تُعدّ إقصائيّةً وغير إنسانيّةٍ، إلى جانب التناقص الكبير في المساعدات الّتي تقدّمها الإدارة الأمريكيّة.