أوّل الكلام آخره:
- لم تكن سوى مسألة وقت فحسب قبل أن تتطلع روسيا إلى نشر المعلومات المضللة عن وباء كورونا العالمي الذي يشلّ أنظمة الرعاية الصحية واقتصادات الدول.
- قدّم الوباء لروسيا خطوط صدع جديدة قابلة للاستهداف، بما في ذلك التصدعات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
- من خلال نشر معلومات مضللة عن مصدر الفيروس، وخاصة تلك المتعلّقة بمنشئه في مختبرات السلاح الغربية، تتلاقى الرسالة الروسية مع ما يروجه أصحاب نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم.
- تجمع الدعاية الروسية الأخيرة بين «نجاح» روسيا المزعوم في مكافحة الفيروس والإخفاقات العديدة الموثقة توثيقا جيدا في البلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
لم تكن سوى مسألة وقت فحسب قبل أن تتطلع روسيا، التي قامت عمليا بتحويل عملية زرع المعلومات المضللة والتدخل في شؤون الدول الأخرى إلى صناعة مربحة، إلى نشر المعلومات المضللة عن وباء كورونا العالمي الذي يشلّ أنظمة الرعاية الصحية واقتصادات الدول. وشكّل الصدع الذي حدث بين الولايات المتحدة وأوروبا فرصة مؤاتية للتدخل الروسي، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو إلى زيادة انقسام الغرب المنقسم أصلا. وفي الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الهاتف مع الرئيس الصيني شي جين بينغ مشيدا بتعامل نظيره الصيني مع تحدي وباء كورونا. هذا على الرغم من ان تكتم الصين عن كل ما يتعلق بتفشّي الوباء في مراحله الأولى أسهم في انتشاره في جميع أنحاء العالم. وتحوّل وباء كورونا إلى «وباء معلومات» نمطيّ، وهو ما كانت منظمة الصحة العالمية عرّفته بأنه وفرة مفرطة في المعلومات، على درجات متفاوتة من الدقة، مما يجعل من الصعب العثور على مصادر موثوقة للمعلومات أو على توجيه يمكن الركون إليه.
يهدف التضليل الروسي لإثارة الذعر وبذر الشكوك. ويبدو فيروس كورونا كما لو كان مصمّما خصيصا لنشر هذه المعلومات المضللة. وتقوم روسيا بذلك من خلال الترويج لقصص ملفقة تماما، أو من خلال تضخيم القصص الحقيقية التي من المرجح أن تحرض الدول الغربية بعضها ضد بعض. وأتاح هذا الوباء لروسيا حدثا مناسبا لاستغلاله، بل إنه قدم خطوط صدع جديدة للروس للاستهداف، من الأغنياء ضد الفقراء إلى كبار السن ضد الشباب. ويشعر المواطنون بالغضب من حكوماتهم لعدم جهوزيتها، ولكن التوترات تعدّت ذلك إلى داخل المجتمعات المحلية، حيث أثار الشراء بدافع الهلع تباغض الجيران فيما بينهم. كما أدى القلق الاقتصادي الهائل والمخاوف من الركود المنتظر إلى تفاقم هذه المسألة. وتسعى المعلومات المضللة الروسية إلى تسليط الضوء على التوترات بين الأجيال، حيث يلقى باللوم على فئات ديموغرافية بأكملها بسبب الإفراط أو نقص التفاعل مع القيود المجتمعية الجديدة التي تفرضها الحكومات المحلية وحكومات الولايات. وستصبح حملة التضليل في روسيا حتما أكثر عدوانية في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية عام ٢٠٢٠.
توضح وثيقة حديثة جمعها الاتحاد الأوروبي الأشكال المختلفة التي عملت عليها حملة التضليل الروسية وتشير إلى أن وسائل الإعلام الحكومية الروسية والحسابات الموالية للكرملين كانت قد صاغت رسائلها بالإنجليزية والإسبانية والإيطالية والألمانية والفرنسية. وشملت جهود التضليل الروسية ترويجا قويا للادعاءات الإيرانية بأن سبب الفيروس هو سلاح بيولوجي تستخدمه الولايات المتحدة. ومن خلال نشر معلومات مضللة عن مصدر الفيروس، وخاصة أنّه أعدّ في مختبرات السلاح الغربية، تتلاقى الرسالة الروسية مع ما يروجه أصحاب نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم. وشملت المعلومات المضللة الموثقة الأخرى قصصا عن المهاجرين بأنهم سبب للفيروس وأنهم الذين ينشرون الفيروس في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. وتخلص معلومات مضللة أخرى إلى أن فيروس كورونا هو نفسه خدعة، وتقدّم معلومات مضللة أخرى عددا من «العلاجات» الممكنة، على نحو يجعل هذه الحملات الاعلامية المضللة تتشابه مع الحملات المعادية للتلقيح في الغرب.
وتشير الإحصاءات الروسية الرسمية إلى إصابة أقل من ٣٠٠ حالة من أصل ١٤٦ مليون نسمة. وغني عن القول أن قلة تؤمن بأن الكرملين يقول الحقيقة، على الرغم من أنه من الصعب التنبؤ بدقة بمدى انتشار الفيروس في روسيا. إذ لم تصرّح روسيا في الماضي عن الأرقام الرسمية الحقيقية المتعلقة بوباء فيروس نقص المناعة / الإيدز وعن احصاءات تعاطي المخدرات داخل البلاد. وتجمع الدعاية الروسية الأخيرة بين «نجاح» روسيا المزعوم في مكافحة الفيروس والإخفاقات العديدة الموثقة توثيقا جيدا في البلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد اتهمت بعض الدعاية الروسية الاتحاد الأوروبي بالمسؤولية عن فيروس كورونا وادّعت أن الإتحاد الأوروبي نفسه يشكّل كارثة لأوروبا. وفي الواقع، من الصعب معرفة مدى تأثر روسيا بانتشار فيروس كورونا. ولكن الأمر المؤكد هو أن روسيا سوف تستمر في اغتنام الفرص لترويج المعلومات المضللة عن الفيروس بنيّة استراتيجية ألا وهي تقسيم الغرب في الوقت الذي يتعيّن فيه على هذه الدول العمل معا.