أوّل الكلام آخره:
- خلال عطلة نهاية الأسبوع، صرح الجيش الفرنسي بمسؤوليته عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال في شمال مالي، وأكّدت قيادة العمليات الأمريكية في إفريقيا الخبر.
- ما زالت الشبكة العالمية للقاعدة حيّة وفاعلة على الرغم من مقتل دروكدال الذي يعد من قادتها التاريخيين الذين خدموا لمدة طويلة، وأحد الجهاديين البارزين في منطقة الساحل.
- لم تتمكّن الحملة العالمية الرامية إلى تدمير تنظيم القاعدة من الحد من انتشاره إذ إنه يضم اليوم ما يقارب 40,000 عضو من جميع أنحاء العالم، وهو قادر على إلهام المزيد ودفع الأفراد والجماعات للعمل باسمه.
- ما زال تنظيم القاعدة، كما عوّدنا، مبدعا في تكتيكاته، وقادرا في عملياته، وإستراتيجيا في نهجه.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، صرح الجيش الفرنسي بمسؤوليته عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال في شمال مالي. وتبع التصريح تأكيد قيادة العمليات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) وفاة دروكدال. هذا، وقد لعب الجيش الأمريكي دورا داعما في العملية، من خلال الدعم الاستخباراتي والرصد والاستطلاع. وكان دروكدال من قدامى المحاربين الجهاديين الذين حاربوا الاتحاد السوفياتي في أفغانستان قبل أن يعود إلى الجزائر في التسعينيات للانضمام إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال. ومن ثم إلى شبكة القاعدة عام 2006، ثم ما لبث أن استلم زعامة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عاملا على توسيع القدرات التشغيلية للقاعدة في جميع أنحاء شمال غرب إفريقيا. وقد توسع عمل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب بالفعل حتى أصبح على نطاق إقليمي واسع، فتعدى الحدود الجزائرية وانتشر في مالي وموريتانيا وليبيا وتونس والنيجر. وقد أتقن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تقنية الاختطاف للحصول على فدية، وحصل بذلك على عشرات الملايين من الدولارات من عوائد اختطاف الأجانب والتفاوض على إطلاق سراحهم مع حكومات بلادهم الأصلية. ويستحق دروكدال بلا شك أن يعدّ بين القادة الذي ساهموا بتجديد شبكة تنظيم القاعدة العالمية.
وفي فترة لا تتعدى العام، شهدت القاعدة عدة ضربات أفقدتها سلسلة من الأعضاء البارزين المتعاقبين على القيادة، منهم الزعيم دروكدال في بلاد المغرب الإسلامي، وقاسم الريمي زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في كانون الثاني / يناير 2020، وعاصم عمر زعيم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وحمزة بن لادن في أيلول / سبتمبر 2019. ومن الواضح أن قيادة التنظيم كانت محل استهداف. وابتداء من عام 2014، بدأت قيادة تنظيم القاعدة تعاني من ظهور تنظيم داعش، وهو تنظيم منشق عن تنظيم القاعدة في العراق. ويرى بعض المحللين أنه لم يبق من القيادات الأساسية اليوم سوى عدد قليل منهم أيمن الظواهري، الذي لا يرى فيه الكثيرون قائدا ملهما، ومنهم أبو محمد المصري وسيف العدل اللذان قد يكونان اليوم في إيران في إطار ترتيب غامض مع الحكومة الإيرانية.
ولكن الشبكة العالمية للقاعدة ما زالت قادرة على الصمود على الرغم من مقتل دروكدال الذي يعد من قادتها التاريخيين الذين خدموا لمدة طويلة تقارب العقدين من بدء ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب، وأحد الجهاديين البارزين في منطقة الساحل. وتحتفظ القاعدة بشبكة من الفروع الإقليمية والمجموعات التابعة لها في اليمن والصومال وسوريا ودول أخرى. ويشير تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة إلى أن تنظيم القاعدة يعمل بصورة فعالة مع طالبان للتخطيط لما بعد الانسحاب العسكري الأمريكي الذي يراه الطرفان أمرا محسوما. وقد واصلت حركة الشباب، التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، إظهار ميولها إلى شن هجمات إرهابية، مع الإفلات من العقاب غالبا، في حين اتبع تنظيم القاعدة في سوريا استراتيجية «إعادة البناء» التي تتسم بالهدوء والصبر على حد تعبير الخبير في شؤون الإرهاب بروس هوفمان، لإثبات حضوره مرة أخرى في محافظة إدلب من خلال تنظيم حراس الدين.
ولم تتمكّن الحملة العالمية الرامية إلى تدمير تنظيم القاعدة من الحد من انتشاره إذ إنه يضم اليوم ما يقارب 40,000 عضو من جميع أنحاء العالم، وهو قادر على إلهام المزيد ودفع الأفراد والجماعات للعمل باسمه. وفي كانون الأول / ديسمبر 2019، أسفر هجوم شنه محمد الشمراني، الضابط في سلاح الجو السعودي برتبة ملازم ثان، في محطة بينساكولا الجوية البحرية بولاية فلوريدا، عن مقتل ثلاثة بحارة من البحرية الأمريكية وإصابة ثمانية آخرين. وخلال الشهر الماضي، توصل مكتب التحقيقات الفيدرالي، بعد الوصول إلى جهاز الشمراني من نوع «آبل آيفون»، إلى التأكد من أن مطلق النار على اتصال بأعضاء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ سنوات، مما يجعل من هجوم بينساكولا الأول الذي ينفّذه تنظيم القاعدة على الأراضي الأمريكية منذ 11 أيلول / سبتمبر. وفي أيار / مايو 2020، قام شخص كان قد أعرب عن دعمه للقاعدة في شبه الجزيرة العربية على وسائل التواصل الاجتماعي بشن هجوم على قاعدة كوربوس كريستي الجوية البحرية في تكساس. وما زال تنظيم القاعدة، كما عوّدنا، مبدعا في تكتيكاته، وقادرا في عملياته، وإستراتيجيا في نهجه. وبعد أن كانت قضية مكافحة الإرهاب العالمي تشكل الشغل الشاغل للولايات المتحدة، تصب الأخيرة تركيزها اليوم على منافسة القوى العظمى الأخرى ومواجهة التحديات التي تلوح في الأفق من جهة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية. ولكن أغلب العارفين بتنظيم القاعدة يؤكّدون أن خطرها لا يزال قائما وأنها تتحضر حاليا للعودة إلى الساحة.