أوّل الكلام آخره:
- حققت محاولة إدارة ترامب الأخيرة تقدما في قضية رأب الصدع القائم بين قطر وعدد من جيرانها الخليجيين.
- يبدو أن الاختراق الذي حصل في مجلس التعاون الخليجي يراد منه استباق الانتقال الوشيك للسلطة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن، وما قد ينتج عن ذلك من تحول في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
- تواصل الإمارات مطالبة قطر بتقديم تنازلات كبيرة تكون بمثابة شرط لإنهاء النزاع، ومن غير المرجح أن تنضم فورا إلى أي اتفاق مصالحة.
- أمّا ترامب، فهو على ما يبدو يسعى إلى تعزيز سياسته المتشددة تجاه إيران، وإضفاء الطابع المؤسساتي عليها.
يبدو أن الزيارات التي قام بها وزير الخارجية مايك بومبيو وكبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر إلى الخليج في فترة ما بعد الانتخابات الأمريكية قد أحرزت تقدما كبيرا في حل الخلاف في مجلس التعاون الخليجي الذي كان قد بدأ في حزيران / يونيو 2017 عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين وهي دول تابعة إلى مجلس التعاون الخليجي (الذي يضم أيضا الكويت وقطر وعمان) ومعها مصر، علاقاتها مع قطر وحرمتها من استخدام مجالها الجوي وأغلقت حدودها البرية معها. وطالبت هذه الدول، شرطا لإنهاء حصارها، بأن تنأى قطر بنفسها عن إيران وتركيا وأن تقطع الاتصال بالحركات الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين بمختلف فروعها. وقد أكدت القيادتان السعودية والإماراتية أن علاقات قطر بالحركات الإسلامية الإقليمية ترقى إلى دعم «الإرهاب» وزعزعة استقرار الحكومات الإقليمية الحالية. وقد عبرت الدول المحاصرة عن تأييدها بقوة لتخلي إدارة ترامب عن الاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي شاركت إدارة أوباما في صياغته مع إيران لصالح استراتيجية حملة «الضغط القصوى» ضد الجمهورية الإسلامية. وبدلا من ذلك، تفضل قطر، وكذلك عمان والكويت، إشراك إيران إقليميا، مع الحفاظ في الوقت نفسه على تعاون دفاعي وثيق مع الولايات المتحدة.
ولعل إدارة ترامب ترى أن النزاع بين دول مجلس التعاون الخليجي قد أعاق جهود الولايات المتحدة لتشكيل تحالف إقليمي متماسك ضد إيران. ومع ذلك، تعثرت جهود الوساطة الأمريكية باستمرار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إصرار الإمارات على تلبية قطر لجميع مطالب الدول المحاصرة. ويبدو أن انتقال السلطة الوشيك إلى الرئيس المنتخب بايدن قد خلق ظروفا جديدة ليّنت الموقف السعودي، إن لم يكن بالضرورة الخط الإماراتي المتشدد. وقد انتقد الرئيس المنتخب بايدن ومرشحوه لتولي زمام السياسة الخارجية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتدخلهما في اليمن وانتهاكاتهما لحقوق الإنسان، والتي مثّل مقتل المعارض جمال خاشقجي في تركيا عام 2018 نموذجا صارخا لها. ومن أجل تهيئة الظروف اللازمة لعلاقة مثمرة مع الإدارة الأمريكية القادمة، يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الظهور بمظهر تصالحي ومتعاون. وفي أواخر تشرين الثاني / نوفمبر وأوائل كانون الأول / ديسمبر، أبلغت القيادة السعودية وزير الخارجية الزائر بومبيو وصهر ترامب، جاريد كوشنر، أن المملكة قد تكون مستعدة لاتخاذ خطوات أولية لحل الخلاف القطري. ويبدو أن الخطوات الأولى ستكمن في إعادة فتح المجال الجوي السعودي للرحلات الجوية من قطر وإليها. وعلى الرغم من أهمية مثل هذه المبادرة إلا أنها لن تعيد العلاقات الدبلوماسية السعودية القطرية إلى سابق عهدها كما أنها لا تشمل فتح المعابر البرية.
وتغيب المؤشرات الدالة على أن الإمارات ستنضم بشكل فوري إلى اتفاق سعودي وقطري بشأن المجال الجوي. ويبدو أن قادة الإمارات لم يشاركوا في المحادثات بين الولايات المتحدة والسعودية وقطر حول مثل هذه الخطوة الأولى. وكانت الإمارات، برعاية الرئيس ترامب، قد أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل في أيلول / سبتمبر. ولم تتعرض الإمارات العربية المتحدة لنفس درجة النقد العلني لانتهاكاتها حقوق الإنسان التي تعرض لها محمد بن سلمان، كما أن القوات البرية الإماراتية غادرت الجبهة اليمنية الرئيسة عام 2019. ومن الواضح أن الإماراتيين يتعرضون لضغوط أقل للتنازل لقطر، أو لاتخاذ خطوات تصالحية أخرى، مقارنة بـمحمد بن سلمان.
ويمثل دفع إدارة ترامب في اللحظة الأخيرة لحل الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي محاولة منها لتعزيز نهجها في حملة «الضغط القصوى» على إيران ضد الانقلاب المتوقع من إدارة بايدن. وعلى المدى القريب، فإن إعادة فتح المجال الجوي السعودي أمام قطر سيحرم إيران من 100 مليون دولار تقريبا، وهي رسوم التحليق التي اضطرت قطر إلى دفعها لإيران للسماح لرحلاتها الجوية بعبور مجالها الجوي. ومن الناحية الاستراتيجية، فمن شأن إعادة توحيد مجلس التعاون الخليجي أن يعزز إصرار دول المجلس على التشاور مع أعضائه بشأن أي جهود تبذلها إدارة بايدن للانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني الموقّع عام 2015. وتريد دول مجلس التعاون الخليجي من الولايات المتحدة أن تطالب إيران بإنهاء نقلها للصواريخ الباليستية إلى حلفائها الإقليميين، على أن يكون هذا الطلب شرطا لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي. وقد استخدم حلفاء إيران هذه الأسلحة بفعالية ضد بعض دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن الافتقار الواضح إلى الدعم الإماراتي للوصول إلى حل جزئي للخلاف الخليجي من شأنه أن يحد من الآثار الإيجابية لأي اتفاق سعودي قطري، فضلا عن أنه قد يمهد الطريق لانتكاسة كاملة في السنوات اللاحقة.