أوّل الكلام آخره:
- كان نهج ترامب في التعامل مع أمريكا اللاتينية يعتمد على التنمر على دول المنطقة وتمكين المستبدين فيها ويتبعسياسات غير إنسانية للهجرة.
- ستسعى إدارة بايدن وهاريس إلى عكس بعض سياسات ترامب بشأن الهجرة وإصلاح المؤسسات والتعامل مع الأزمة في فنزويلا.
- تعد أمريكا اللاتينية ساحة متنامية للتنافس القائم بين الولايات المتحدة والصين، ولذلك فهي ستتلقى اهتماما أكبر من إدارة بايدن.
- تتطلع إدارة بايدن وهاريس إلى تعميق مشاركة الولايات المتحدة من خلال الجهود الدبلوماسية وتعيين ذوي الخبرة.
تواجه إدارة بايدن وهاريس تحديات وفرصا فريدة من نوعها إذ تأخذ على عاتقها إعادة العلاقات على ما كانت عليه بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وسيذكر الجميع الرئيس السابق ترامب وسياساته المعتمدة بشأن الهجرة والتي أثارت كثيرا من الجدل بسبب طابعها غير الإنساني وعدوانيتها تجاه جيران أمريكا الجنوبيين. وقد مكن خطاب ترامب السلطوي داخل البلاد وخارجها القوميين المناهضين للمؤسسات القائمة في المنطقة، بما في ذلك الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، وهو ما أدى إلى تدهور أكبر دولة ديمقراطية في المنطقة، وكذلك جيرانها. وتكافح أمريكا اللاتينية للاستقرار بعد أن اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء نصف الكرة الجنوبي عام 2019، وخرج العمال والناشطون المؤيدون للديمقراطية إلى الشوارع بأعداد قياسية للمطالبة بالمساواة الاقتصادية، وبانتخابات حرة ونزيهة، وبحقوق المرأة، وبسياسات لمكافحة الفساد وترشيد الحكم. وقد شهدت المنطقة العديد من فضائح الفساد، ولا تزال المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية والمتجرة بالمخدرات تزيد من تزعزع الأمن في المنطقة، فيما يزيد ضعف المؤسسات المواجهة لها. ويرتبط الأمن القومي الأمريكي والسياسة الداخلية باستقرار الجيران في الجنوب وازدهار دولهم، وخاصة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وستحسن إدارة بايدن وهاريس صنعا إذا عززت جهودها الدبلوماسية لتوطيد العلاقات بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، ولدعم الحكم الديمقراطي، ومبادرات مكافحة الفساد، والحوار الحقيقي والشراكة الاقتصادية التي تكفل الازدهار.
الهجرة
تكثر التحديات التي تواجه فريق بايدن وهاريس في أمريكا اللاتينية. وتكمن الأولويات الرئيسة في معالجة الهجرة من دول المثلث الشمالي، وهي هندوراس والسلفادور وغواتيمالا. وقد أشار الرئيس بايدن إلى التزامه بمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة القسرية من هذه الدول المرتبطة بضعف الحماية الأمنية للمواطنين في ظل تزايد عنف العصابات والميليشيات، والفساد المتوطن، ونقص الفرص الاقتصادية. وقد تفاقمت هذه التحديات بسبب جائحة كورونا والركود الاقتصادي الناتج عنها، فضلا عن الأعاصير المدمرة في المنطقة التي تسببت بنزوح ما يقارب نصف مليون شخص. وفي إحدى أولى اتصالات الرئيس بايدن بالقادة العالميين، تحادث مع الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الأسبوع الماضي، وهذا دليل قوي على أن إدارته تعد إصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك من أولوياتها. وخلال المكالمة، كشف الرئيس بايدن أيضا عن خطته لتنفيذ استراتيجية إقليمية ستكلف 4 مليارات دولار لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة في دول المثلث الشمالي. ويعد هذا الإعلان استثمارا جديرا وخطوة مرحبا بها، خاصة بعد أن جمدت إدارة ترامب 450 مليون دولار من المساعدات الخارجية الأمريكية إلى دول المثلث الشمالي انتقاما لما وصفته بفشل تلك الدول في معالجة تدفق المهاجرين. ويجب أن تتماشى استراتيجية الرئيس بايدن مع التزامات قوية من القادة السياسيين في المنطقة لتنفيذ إصلاحات لترشيد الحكم ومكافحة الفساد، فضلا عن حماية حقوق الإنسان. ومن الأمثلة على هذا الالتزام، إعادة الاعتبار لمؤسسات مكافحة الفساد في المنطقة، بما في ذلك اللجنة الدولية لمناهضة الإفلات من العقاب في غواتيمالا المدعومة من الأمم المتحدة. وقد أسقطت اللجنة بالفعل الرئيس الغواتيمالي السابق أوتو بيريز مولينا وعدة قادة سياسيين آخرين بتهمة الكسب غير المشروع. أما المثال الآخر، فهو «مكافحة الفساد والإفلات من العقاب في هندوراس»المدعومة من منظمة الدول الأمريكية، والتي أنهت حكومة هندوراس عملها في كانون الثاني / يناير 2020 بسبب بعض التجاوزات المزعومة. وفي عام 2019، اتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا يتناول الصلة بين الجريمة المنظمة والإرهاب (القرار 2482)، وفي حين أن التهديد يختلف بين المناطق والدول، فإنه سيكون من المهم ضمان عجز الجماعات الإرهابية والمتطرفة العنيفة عن استغلال المظالم أو الفجوات في المنطقة.
فنزويلا
قريبا، سيراقب العالم عن كثب كيفية معالجة فريق بايدن وهاريس للأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية المستمرة في فنزويلا. ولا تزال البلاد تعاني من دوامة سياسية هبوطية يغذيها الاقتصاد المتهالك، والتضخم المفرط، والمؤسسات الفاشلة، ونقص الغذاء والطاقة. وقد أجبر أكثر من 5 ملايين شخص على المغادرة، وهي واحدة من أكبر أزمات اللاجئين التي واجهها نصف الكرة الغربي على الإطلاق. كما أنها واحدة من المجالات القليلة التي تتلاقى فيها وجهات نظر إدارتي ترامب وبايدن، فالإدارتان تدينان نظام مادورو ولا تعدانه شرعيا وتدعمان استعادة الديمقراطية بواسطة خوان غوايدو رئيسا مؤقتا. وسيكون من المهم لإدارة بايدن الجديدة تحليل تداعيات العقوبات المفروضة على فنزويلا وما إذا كان خنق اقتصادها سيكون فعالا نظرا لأن ذلك لم يسفر بعد عن أي تقدم في المحادثات بين المعارضة والنظام. وينبغي للإدارة الجديدة أن تنظر في وضع مقاربة أشمل للأزمة، بما في ذلك استخدام مزيج من الجهود الدبلوماسية المركزة مع الشركاء الإقليميين ذوي التفكير المماثل والاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، فإن فرض عقوبات ذكية ضد المقربين من النظام يمكنه أن يحل محل العقوبات التي تؤثر سلبا في الاقتصاد والشعب الفنزويلي عامة. كما يجب على الإدارة الجديدة أن تعترف بأن معالجة الأزمة السياسية في فنزويلا قد تنطوي على مناقشات مع روسيا والصين، أكبر حلفاء مادورو، لتحقيق أي تقدم حقيقي.
الصين
استغلت الصين تراجع نفوذ الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية على مدى السنوات الأربع الماضية، مستفيدة من الفرصة لملء الفراغ الناتج من خلال استثمارات اقتصادية كبيرة. ووفقا للحوار بين البلدان الأمريكية، فقد صرف بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني أكثر من 137 مليار دولار في التزامات القروض للمنطقة منذ عام 2005، وذلك في فنزويلا والبرازيل والإكوادور والأرجنتين، وهي الدول المتلقية. واليوم، تعد الصين أكبر شريك تجاري مع المنطقة، في حال استثنينا المكسيك، مع زيادة الاستثمارات في النفط والبنية التحتية والتصنيع. كما جاءت الصين لمساعدة العديد من دول أمريكا اللاتينية خلال فترة الوباء، من خلال تقديم شحنات من الأقنعة ومعدات الوقاية الشخصية، حاصدة بذلك تقدير جميع أنحاء نصف الكرة الجنوبي. ومؤخرا، انضمت تسع عشرة دولة من دول أمريكا اللاتينية إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومن واجب الولايات المتحدة إعادة الانخراط بشكل شامل مع أمريكا اللاتينية من خلال الاستثمار في أمن المواطنين والازدهار الاقتصادي والحكم الديمقراطي لإثبات أنها حليف حقيقي، إذا كانت تتوقع أن تتنافس بشكل واقعي مع نمو استثمار الصين ونفوذها في المنطقة.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن للرئيس بايدن ميزة تفاضلية مع عودته للشراكة مع أمريكا اللاتينية. فهو يتمتع بسجل حافل قوي ومحترم في المنطقة، فقد كان مبعوث الرئيس أوباما السابق إلى نصف الكرة الغربي، وزار المنطقة بمعدل ست عشرة مرة على مدار 8 سنوات وهذا ليس بالمعدل البسيط. كما اختارت إدارة بايدن وهاريس دبلوماسيين يتمتعون بخبرة ونفوذ كبيرين في المنطقة لاستلام مناصب رئيسة، ومنهم السفيرة روبرتا جاكوبسون، وهي سفيرة أمريكية سابقة في المكسيك، وتتمتع بثلاثة عقود من الخبرة في السلك الدبلوماسي، وقد انضمت اليوم إلى مجلس الأمن القومي (NSC) للإشراف على تجديد أمريكا لسياساتها بشأن الهجرة واللجوء على الحدود الجنوبية. كما عينت الإدارة خوان غونزاليس، وهو خبير مخضرم في شؤون أمريكا اللاتينية، مساعدا خاصا للرئيس والمدير الأول لمجلس الأمن القومي لنصف الكرة الغربي، بعد خدمته سابقا في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما وفي أدوار عليا في وزارة الخارجية. وإن دلّت الإجراءات التي اتخذتها الإدارة مؤخرا، كوقف أي بناء جديد على الجدار الحدودي الجنوبي، أو وقف عمليات ترحيل بعض المهاجرين غير الشرعيين لمدة 100 يوم، أو تعليق سياسة «ابقوا في المكسيك» الكارثية لطالبي اللجوء، على شيء فهي تدل إلى حد ما على سعي القيادة الأمريكية الجديدة إلى جعل أمريكا اللاتينية مركز اهتمام خاص في سياستها الخارجية.