أوّل الكلام آخره:
- للولايات المتحدة تاريخ طويل مع العسكريين السابقين أو العسكريين الحاليين الذين يرتبطون بعلاقات مع الجماعات العنيفة المناهضة للحكومة والميليشيات غير القانونية.
- في الآونة الأخيرة، أدى هجوم 6 كانون الثاني / يناير على مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة إلى زيادة المخاوف بشأن «التهديد الداخلي» في القوات المسلحة الأمريكية.
- قد تخفف إجراءات الأمن المضاد وغيرها من أدوات التحقيق من التهديد الذي يشكله منتسبو الجيش الأمريكي الذين ينتهكون اليمين الدستوري.
- كما يتطلب الأمر زيادة التعاون بين الوكالات وإجراء مراجعة تحليلية دقيقة لبيانات أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي.
إن تاريخ ارتباط بعض عناصر الجيش الأمريكي السابقين والحاليين بالمجموعات العنيفة المناهضة للدولة أو بجماعات العنصريين البيض أو بأصحاب نظريات المؤامرة ومروّجيها يعود إلى عقود خلت. وقد مال البعض إلى الانضمام إلى الميليشيات الشرعية أو غيرها من المنظمات التي تحمل توجهات أمنية، في حين شكل آخرون جماعات عنيفة غير قانونية تستند إلى أيديولوجيات متطرفة. وكان لويس بيم، وهو عضو سابق في كو كلوكس كلان وشخصية مؤثرة في جماعات العنصريين البيض ومروّج مفهوم «المقاومة بلا زعيم» الذي يعد من تكتيكات اليمين المتطرف، من قدامى المحاربين في حرب فيتنام الذين شاركوا في أعمال عنف موجهة نحو مجتمعات المهاجرين. أما جوردون كاهل، وهو ممن شارك في الحرب العالمية الثانية، عضوا رائدا في مجموعة اليمين المتطرف التي تحركها نظريات المؤامرة والمعروفة باسم Posse Comitatus في السبعينيات. وكان كاهل من أكبر المطاردين في الثمانينيات لتورطه في قتل العديد من المارشالات الأمريكيين. أما في التسعينيات، فقد مثّل تفجير مبنى ألفريد مورا الفدرالي في أوكلاهوما سيتي الذي ارتكبه تيموثي ماكفي، وهو متطرف مناهض للدولة وعنصر سابق في الجيش الأمريكي، عملا من أعمال الإرهاب الداخلي الأكثر فتكا في تاريخ الولايات المتحدة، وقد أودى بحياة 168 شخصا.
وعليه، لا يعد العنف السياسي الذي يرتكبه أعضاء نشطون أو سابقون في الجيش الأمريكي عملا شاذا عند ملاحظة هذا التاريخ الطويل. وفي الآونة الأخيرة، شارك أفراد من خلفيات عسكرية ممّن ملأ صفوف جماعات العنصريين البيض والحركات التي تقودها نظرية المؤامرة في أعمال العنف. ويعد الهجوم الإرهابي في 6 كانون الثاني / يناير ضد مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة نموذجا لهذا التطور، والذي أصبح أكثر وضوحا بين 2017 و2020. إن العشرات من الأفراد المتهمين حاليا بجرائم فيدرالية متصلة باقتحام مبنى الكابيتول كانوا قد خدموا في الجيش الأمريكي في مرحلة ما. ومن القصص الأكثر شهرة، قصة أشلي بابيت التي آمنت بنظريات جماعة كيو وقُتلت داخل مبنى الكابيتول، فهي من قدامى المحاربين في سلاح الجو الأمريكي. وقد لعبت الجماعات المناهضة للدولة مثل «المحافظين على العهد» و«الثلاثة بالمئة» المعروفتين بتجنيد العسكريين الحاليين والسابقين على حد سواء، أدوارا محورية في أحداث الكابيتول. وقبل كانون الثاني / يناير 2021،كانت جماعة »بوغالو بويز«من الجماعات الأكثر نشاطا بين الجماعات المناهضة للدولة في تنفيذ أعمال الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة. وفي عام 2020، قَتَل ستيفن كاريو المنتسب إلى هذه الجماعة، وكان لا يزال آنئذ عنصرا في القوات الجوية، العديد من ضباط الشرطة. وفي الوقت نفسه تقريبا، أحبط مكتب التحقيقات الفيدرالي هجوما خطط له ثلاثة أعضاء سابقين أوحاليين في الجيش الأمريكي، كانوا أيضا جزءا من جماعة «بوغالو». وأخيرا، ارتبط العديد من أعضاء الجيش بتنظيم النازيين الجدد «أتوموافين» ويشمل ذلك براندون راسل المشارك في تأسيسه.
ودق المشرعون والدارسون ومحللو السياسات مرارا وتكرارا ناقوس الخطر بشأن تسلل المتطرفين العنيفين المناهضين للدولة والعنصريين البيض إلى جيش الولايات المتحدة. ولمواجهة هذا التهديد، يجب على وزارة الدفاع تصنيفه على لائحة التهديدات الداخلية. إن القيام بذلك سيضمن إمكانية توجيه جهاز الأمن المضاد التابع لوزارة الدفاع لمتابعة عناصر الخدمة الذين قد يكونون عازمين على القيام بأعمال عنف سياسي. ويبرز في هذا السياق عدد من الإجراءات الأولية الضرورية. فمن واجب مكتب التحقيقات الخاصة بالقوات الجوية، وقيادة التحقيق الجنائي في الجيش، وخدمات التحقيقات الجنائية البحرية، المسؤولة عن التحقيق مع الأفراد في الأنشطة الإجرامية في الفروع المعنية، إعطاء الأولوية لتحديد الأفراد الذين ينتمون إلى جماعات العنصريين البيض والجماعات المناهضة للدولة الذين ينتمون إلى صفوف هذه المؤسسات. وفي الوقت نفسه، يجب على وزارة الدفاع إعادة النظر في عدد موظفي هذه المكاتب والموارد المتاحة لهم، إذ تعاني أكثرية هذه المكاتب من نقص مزمن في الموظفين. ولا تعدم وزارة الدفاع الخيارات لمواجهة الأعضاء السابقين في الجيش الذين ينخرطون في السلوك الإجرامي المناهض للدولة أو المرتبط بجماعات العنصريين البيض، مثل حذف المتقاعدين من لوائح الجيش الاحتياطي. وعلاوة على ذلك، يمكن للجيش الأمريكي اتخاذ تدابير ضدهم بسبب السلوك الذي يعد انتهاكا للقانون الموحد للقضاء العسكري. وتشمل هذه التدابير تخفيض رتب المتقاعدين بأثر رجعي، وبالتالي تقليل معاشهم التقاعدي. إن اتخاذ مثل هذه الإجراءات قد يؤثر تأثيرا رادعا ومهما في الأفراد الذين قد يظنون أنهم محصنون من عواقب أفعالهم، وأولئك الذين يسعون إلى سلك مساراتهم.
سيتطلب النجاح في كبح أنشطة الجماعات المناهضة للدولة وجماعات العنصريين البيض في الجيش الأمريكي التعاون بين العديد من الجهات الفاعلة المختلفة داخل البلاد. فعلى سبيل المثال، واستنادا إلى تقرير مكتب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الموظفين والاستعداد في تشرين الأول / أكتوبر 2020، يظهر أن محققي وزارة الدفاع لا يمكنهم البحث ديناميكيا في مكتبة الرموز التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي وقاعدة بيانات الوشوم. ويمكن لمكتب التحقيقات الفيدرالي أن ينظر في توفير إمكانية الوصول المباشر إلى هذه البيانات لمحققي وزارة الدفاع المعتمدين المسؤولين عن فحص مدى ملاءمة الموظفين للحصول على التصاريح الأمنية الحكومية. ويمكن أن يساعد ذلك في تحديد جماعات العنصريين البيض والأفراد الذين يتبعون معتقدات مناهضة للدولة والذين من المحتمل أن يرتكبوا أعمال العنف أو يدعموها ماديا. ومع ذلك، فإن التحدي الأكثر أهمية في المستقبل هو كيف يمكن للحكومة الأمريكية، بما في ذلك الجيش الأمريكي، مراجعة أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي للأفراد بكفاءة. وتستخدم الجماعات المناهضة للدولة، وجماعات العنصريين البيض، وأصحاب نظريات المؤامرة، وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الأفراد، وجمع التمويل، والتخطيط للهجمات، وتحريض الآخرين على العنف. ويمكن أن ينظر في أغلبية هذه الأعمال عبر الإنترنت على أنها خطاب محمي دستوريا. والجدير بالذكر أنه ما من تصنيف معتمد للإرهاب المحلي (يشبه تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية) مما يجعل أنشطة كثير من هذه المنظمات في التجنيد وجمع التبرعات قانونية إلى حد كبير. ومع ذلك تبرز أدلة واضحة على استخدام موظفي الحكومة الأمريكية لأدوات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن غربلة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة علنا ما تزال مسعى شاقا. ولهذا السبب، يجب على وزارة الدفاع توسيع الشراكات مع مجموعة متنوعة من شركات تحليل البيانات لتقويم مواد وسائل التواصل الاجتماعي المكتسبة بشكل قانوني والمرتبطة بأعضاء الخدمة، والعمل بشكل استباقي مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لتحديد المخاطر والأساليب الأنسب للتعامل معها.