أوّل الكلام آخره:
- تشتبك إسرائيل وإيران في حرب خفية تظهر بعض معالمها في الهجمات على السفن والمرافق والمجموعات الحليفة.
- قد يسعى القادة الإسرائيليون إلى عرقلة الجهود التي تبذلها إدارة بايدن للانضمام مرة أخرى إلى الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
- قد يتصاعد الصراع في ظل استمرار إيران في توسيع أنشطتها النووية التي تنتهك الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة.
- من المحتمل أن تتحمس الولايات المتحدة وغيرها من القوى للانضمام إلى الصراع مع تأثر مصالحها التجارية ومصالحها الأمنية الوطنية.
تشير سلسلة من الحوادث الأخيرة التي استهدفت السفن الإسرائيلية والإيرانية وبعض الأفراد الإيرانيين والمرافق الإيرانية وبعض الجهات المدعومة من إيران إلى أن البلدين منخرطان في حرب خفية. ولم تتبنّ أي من الحكومتين هذه الهجمات أو علقت علانية عليها. ومنذ خروج إدارة ترامب في أيار / مايو 2018 من الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف، أفادت التقارير أن إسرائيل كانت مسؤولة عن انفجار في محطة تجميع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية في تموز / يوليو 2020 وعن اغتيال محسن فخري زاده في إيران في تشرين الثاني / نوفمبر 2020، والذي يُزعم أنه رئيس برنامج إيران السري للأسلحة النووية. وتشير سلسلة من الحوادث التي وقعت في شباط / فبراير وآذار / مارس من هذا العام، كالانفجارات على متن ناقلات النفط الإيرانية في البحر الأبيض المتوسط وهي في طريقها إلى سوريا، وتسرب النفط المتعمد قبالة ساحل إسرائيل، والهجومين الإيرانيين المشتبه بهما على السفن التجارية التابعة لإسرائيل في الخليج الفارسي وبحر العرب، إلى أن دورة الهجمات تتسارع وأن نطاق الأهداف آخذ في التوسع. وتأتي هذه الحوادث البحرية لتضاف إلى مئات الغارات الجوية الإسرائيلية على المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية. وقد سعت إسرائيل إلى تدمير البنى التحتية الإيرانية في سوريا التي حاولت إيران من خلالها تحويل تدخلها دعما للرئيس السوري بشار الأسد إلى ميزة استراتيجية أوسع لها ضد إسرائيل.
ويشير توسع الصراع الإسرائيلي الإيراني ليشمل كيانات تجارية إلى أن كلا البلدين قد لا يتراجعان عن مسار التصعيد. ومن بين العديد من الخيارات المختلفة، فقد تزيد إيران من وتيرة هجماتها على المنشآت التابعة لإسرائيل وربما تدعم جولة أخرى من الهجمات الإرهابية على الدبلوماسيين والمواطنين الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم، كما حدث خلال 2012-2013. وتعد القيادة الإسرائيلية البرنامج النووي الإيراني تهديدا وجوديا، وقد هدد قادة الدفاع والسياسيون الإسرائيليون مرارا بضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا اتضح لهم أن إيران على وشك تطوير سلاح نووي فعلي. ومن المحتمل أن تؤدي الانتهاكات الإيرانية المتزايدة للاتفاق النووي الذي عقد عام 2015، والتي تدعي طهران أنها ردود «يمكن التراجع عنها» على العقوبات الأمريكية الشاملة المفروضة على إيران، إلى شن ضربات هجومية إسرائيلية أكثر عدوانية. وحتى في غياب مثل هذه الهجمات الكبيرة، يمكن أن تمثل الهجمات الإسرائيلية على الشحن الإيراني عام 2021 محاولة لعرقلة مساعي إدارة بايدن المعلنة للعودة إلى الاتفاق. وقد عارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة خطة العمل الشاملة المشتركة بوصفها غير مقيّدة للقدرات النووية الإيرانية على نحو كاف، كما عارض خطة إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق دون المطالبة بتنازلات إيرانية إضافية كبيرة.
إن أي تصعيد للصراع الإيراني الإسرائيلي من شأنه جذب القوى الإقليمية وغيرها، وأبرزها الولايات المتحدة. ويعتقد أغلب الخبراء أن إسرائيل عاجزة عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وأن ما قد تسعى إليه هو توريط الولايات المتحدة في هجمات لاحقة تهدف إلى شل حتى أكثر المنشآت النووية صلابة. ويعتقد معظم الخبراء أنه سيتعين عندئذ على الولايات المتحدة ضرب المنشآت الإيرانية التي يعاد بناؤها على نحو دوري إلى أجل غير مسمى. وهذا يعني تحول خطط إدارة بايدن للتعامل الدبلوماسي مع إيران إلى صراع بين البلدين طويل الأجل وواسع النطاق، إذ إنه قد يتوسع خارج منطقة الشرق الأوسط. ومن شبه المؤكد أن أي نية أمريكية لإعادة تركيز استراتيجيتها الأمنية الوطنية على التنافس مع القوى العظمى ستؤدي إلى تجديد تركيز الولايات المتحدة على تأمين مصالحها في الشرق الأوسط.
وقد يجذب هذا الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل كلا من روسيا والصين. فروسيا متحالفة مع إيران في دعم نظام بشار الأسد في سوريا ومن المحتمل أن تحاول روسيا حماية شحنات النفط الإيرانية إلى سوريا من المزيد من الهجمات الإسرائيلية. ومما لا شك فيه أن عمليات الشحن هذه تمثل شريان الحياة الاقتصادي لحكومة الأسد، التي لا تزال معزولة إلى حد كبير عن التمويل العالمي لإعادة الإعمار. ولا تزال الصين مشتريا رئيسا للنفط من إيران وكذلك من دول الخليج الأخرى، وقد يدفعها الإحساس بأي تهديد كبير ضد هذه الإمدادات إلى القيام بعمليات بحرية وغيرها من العمليات الأمنية في محاولة منها لإخماد الصراع. ولا تعد روسيا ولا الصين شريكين أمنيين للولايات المتحدة، مما يعرض إمكانية التدخل الروسي أو الصيني في الصراع الإيراني الإسرائيلي لوضع هاتين القوتين على الجبهة الأخرى في حال تدخلت الولايات المتحدة في الصراع. واليوم، بعد أن بدأت ترتسم معالم اشتداد الصراع بين إيران وإسرائيل، من الصعب التنبؤ يقينا بمسار الأمور، وبالخطوات، في حال وجدت، التي قد تخفف من حدة التوترات.