أوّل الكلام آخره:
- أعلنت الولايات المتحدة مؤخرا عن خططها لسحب منظومتين من منظومات باتريوت المضادة للصواريخ من المملكة العربية السعودية، وربّما يكون هذا القرار جزءا من سلسلة إجراءات تهدف إلى تقليص القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
- إن سحب بطاريات صواريخ باتريوت يكشف عن حالة الفصام الّتي تعتري سياسة إدارة ترامب، فهو يأتي رغم تصعيد التوتّر والعداء مع إيران، ويؤشّر إلى عجز الإدارة عن صياغة نهج متماسك في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط.
- قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بزيادة تعقيدات واشنطن في الشرق الأوسط، على نحو لم يكن خصوم الولايات المتّحدة ليحلموا به.
- تزيد الإشارات المتناقضة الصادرة عن الولايات المتحدة من احتمالات سوء التواصل والتنسيق، الأمر الذي قد يبعث على تصعيد التوترات والصراعات بين الجهات الفاعلة المتنافسة على النفوذ في المنطقة.
أعلنت الولايات المتحدة مؤخرا عن خططها لسحب منظومتين من منظومات باتريوت المضادة للصواريخ من المملكة العربية السعودية، وربّما يكون هذا القرار جزءا من سلسلة إجراءات تهدف إلى تقليص القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة، التي كانت قد تعزّزت في أيلول / سبتمبر 2019 بعد هجوم على منشآت نفطية سعودية في منطقتي أبقيق وخريص، إذ نشرت الولايات المتحدة يومها ما يعادل 2000 جندي في المملكة العربية السعودية تحت ذريعة تعزيز الموقف العسكري الأمريكي تجاه إيران، المتّهم الرئيس بالهجمات. وبرزت دعوات أخرى لنشر المزيد من العتاد العسكري الأمريكي في المنطقة بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في أوائل كانون الثاني / يناير 2020. ويأتي الإعلان عن سحب بطاريات باتريوت من السعودية في أعقاب تقارير حديثة تفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد هدد المملكة بأنه في حال لم تخفض الأخيرة من إنتاج النفط في أعقاب حرب أسعار النفط مع روسيا، فإنّ واشنطن ستعيد النظر في الدعم العسكري المقدّم لها.
ويشير العديد من المراقبين إلى أن سحب بطاريات صواريخ باتريوت يكشف أنّ وزارة الدفاع ترى التهديد الإيراني في حالة تراجع لا تسارع. ولكن هذه الخطوة تكشف أيضا عن حالة الفصام الّتي تعتري سياسة إدارة ترامب. ويزعم بعض المسؤولين رفيعي المستوى في إدارة ترامب أن مقتل سليماني أعاد للولايات المتحدة قوة الردع. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، أدت الأعمال الهجومية المستمرة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، بما في ذلك كتائب حزب الله، والأعمال الاستفزازية المتزايدة التي تقوم بها السفن البحرية الإيرانية في الخليج الفارسي إلى دعوة بعض «الصقور المعادين لإيران» إلى تصعيد حملة «الضغط القصوى». وأعلنت الإدارة الأمريكية مرارا وتكرارا أن سياستها تجاه إيران ناجحة، على الرغم من عجزها عن الإشارة إلى أمثلة ملموسة تتجاوز المكاسب التكتيكية الطفيفة، والتي غالبا لا تدوم.
وقد يشكل هذا جزءا من استراتيجية أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، فقد عمدت الإدارة الأمريكية إلى سحب قواتها من سوريا في تشرين الأول / أكتوبر 2019، متخلّية بذلك عن الأكراد، حليفها الحقيقي الوحيد في هذا الصراع، والقوة القتالية الأكثر فعالية في الحملة الجارية لمواجهة تنظيم داعش الذي أعلن الرئيس ترامب هزيمته، مشيرا إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قادر على التعامل مع أي محاولة يقوم التنظيم بها لإعادة تشكيل نفسه. ومع عودة تنظيم داعش إلى صفّ الهجوم مجدّدا، تسعى الولايات المتحدة اليوم جاهدة لاستعادة نفوذها العسكري مرة أخرى في سوريا وخاصة في دير الزور. ولم يتضح بعد ما إذا كان من الممكن استعادة ثقة الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية الناشطة في شمال شرق سوريا بعد أن استغل منافسو الولايات المتحدة الأخطاء التي ارتكبتها. ولقد تفوقت روسيا على الولايات المتحدة في سوريا وتفوقت إيران عليها في العراق، فموسكو توسع نطاق وجودها العسكري في المنطقة، في حين تعمل طهران خلف الكواليس على تقليص نفوذ واشنطن في العراق.
قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بزيادة تعقيدات واشنطن في الشرق الأوسط، على نحو لم يكن خصوم الولايات المتّحدة ليحلموا به. وتراقب الولايات المتحدة اليوم الأحداث في اليمن وليبيا والعراق وسوريا وأماكن أخرى في المنطقة من دون أن يكون لها أي مساهمة تذكر، فإدارة ترامب تبدو محاصرة على نحو متزايد في ظلّ انهيار الاقتصاد وجائحة كورونا. وإذا كان نهج إدارة ترامب في التعامل مع الشرق الأوسط يتّسم بالتقلّب في أحسن الظروف، فإنّه، مع تدهور هذه الظروف، يتسم بالتخبّط التّام وانعدام الاتساق على نحو خطير. وتزيد الإشارات المتناقضة الصادرة عن الولايات المتحدة من احتمالات سوء التواصل والتنسيق، الأمر الذي قد يبعث على تصعيد التوترات والصراعات بين الجهات الفاعلة المتنافسة على النفوذ في المنطقة.