أوّل الكلام آخره:
- تشير الخطط التي تقضي بانسحاب ثلث القوات الأمريكية من العراق إلى أن الهيمنة الأمريكية على سياسة العراق لم تعد من الأولويات الرئيسة.
- يتوقع القادة الإيرانيون أن يعزّز هذا التقليص الأمريكي نفوذهم في العراق.
- تعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن في آب / أغسطس 2020 مؤشرا على تطور العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق إلى شراكة اقتصادية وأمنية طويلة الأمد.
- لا تبدو إدارة ترامب مستعدة لاستخدام القوات الأمريكية لمساعدة حكومة الكاظمي على ضبط الميليشيات المدعومة من إيران.
حتى تاريخ اليوم، تدلّ أغلب المؤشرات على أن إدارة ترامب لم تعد تصنف الهيمنة على السياسة العراقية من أولوياتها القصوى. وقد نظرت إدارة ترامب إلى الدور الأمريكي في العراق على أنه أداة رئيسة في حملتها «الضغط القصوى» لإضعاف إيران وتقليص نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من إبقاء أكثر من 5000 جندي أمريكي في قواعد عراقية مختلفة، إلا أن القوات المدعومة من إيران هاجمت القوات الأمريكية مرارا وتكرارا، وقتلت عسكريين أمريكيين وأفرادا من القوات الحليفة وألحقت أضرارا بالسفارة الأمريكية ومطار بغداد ومواقع أخرى. وحين جاء وقت الرد الأمريكي، تسببت العمليات الأمريكية والعمليات العسكرية العراقية ضد الميليشيات بانسحابها، ولكن الجماعات استأنفت هجماتها بعد فترة وجيزة من الهدوء.
وفي سياق حملة إعادة انتخاب الرئيس ترامب، يواجه هذا الأخير الاختيار بين الاستمرار في محاربة القوات المدعومة من إيران والتمسك بوعده بالحد من مشاركة الولايات المتحدة في «الحروب التي لا تنتهي» في المنطقة. ويبدو أن إدارة ترامب قد اعتمدت الخيار الثاني، وقد تجلى ذلك خلال اجتماع الرئيس ترامب في 20 آب / أغسطس مع رئيس الوزراء العراقي الزائر مصطفى الكاظمي، فضلا عن القرارات اللاحقة بشأن إعادة نشر القوات الأمريكية في العراق. وردا على الأسئلة المطروحة في البيت الأبيض خلال لقائه مع الرئيس الكاظمي، قال الرئيس ترامب «في مرحلة ما، ستنسحب القوات الأمريكية نهائيا من العراق. ولقد قمنا بالحد من القوات الأمريكية بشكل كبير. ونحن نستطيع التعامل مع الميليشيات المدعومة من إيران في الأماكن التي تهاجمنا فيها بسهولة بالغة. وفضلا عن ذلك، نؤكد تعاون الحكومة العراقية وقت الحاجة. ولكننا نعمل على سحب قواتنا من العراق بوتيرة سريعة، ونتطلع إلى اليوم الذي لا تكون فيه حاجة لوجودنا في البلاد. ونأمل أن يتمكن العراق من تحقيق الاستقلالية والدفاع عن نفسه، كما كان الحال عليه قبل أن نتدخل».
وفي الأيام التي تلت الاجتماع، أكد بعض المسؤولين الأمريكيين صحة التقارير التي تفيد بأن عدد القوات الأمريكية سينخفض من 5200 جندي في العراق إلى حوالي 3500 جندي بحلول تشرين الثاني / نوفمبر 2020. كما أفادت التقارير أن القوات الأمريكية المؤلفة من 2000 جندي في معسكر التاجي،في شمال بغداد، قد غادرت تلك القاعدة، كما وردت معلومات تفيد بأن بعضهم أُرسل إلى المنطقة المستقلة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال العراق، حيث يعمل القادة الأكراد على حرمان الميليشيات الشيعية العربية والمدعومة من إيران من القدرة على العمل. وقد أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية شبه الرسمية جلاء معسكر التاجي، الذي تعرض لهجمات متكررة من الميليشيات المدعومة من إيران، والتي كانت بمثابة استجابة لقرار البرلمان العراقي في أوائل عام 2020 الذي يقضي بمغادرة القوات الأمريكية من العراق. وقد لعب العديد من قادة الفصائل والميليشيات الموالية لإيران في المجلس التشريعي العراقي دورا كبيرا في الضغط على حكومة الكاظمي. ويعتقد القادة الإيرانيون أن الحد من الوجود العسكري الأمريكي سيترجم تراجعا في النفوذ السياسي الأمريكي في العراق، وسيخفّض قدرة الولايات المتحدة على الرد على الهجمات المدعومة من إيران.
وقد سعت إدارة ترامب إلى أن تنفي أن قراراتها بمثابة تخلّ عن العراق، وإلى تأكيد أنها انتقال إلى شراكة أمنية واقتصادية طويلة الأمد. وأفادت تصريحات البيت الأبيض الصادرة خلال زيارة الكاظمي بتوقيع اتفاقيات في الطاقة واتفاقيات اقتصادية أخرى تهدف إلى الحد من اعتماد العراق في مجال الطاقة على إيران، وإلى مساعدة العراق على إجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة عام 2021. وأكد الرئيس ترامب ومسؤولون أمريكيون آخرون خلال زيارة الكاظمي بأن الولايات المتحدة ستلعب دور المدرب والمستشار ولن تقوم (أو تستمر بالقيام) بالضرورة بعمليات ضد قوات الميليشيات المدعومة من إيران أو فلول تنظيم داعش. وفي هذا السياق، يعرّض انسحاب القوات الأمريكية التدريجي القوات الأمريكية المتبقية إلى الخطر، إذ من الممكن أن تكثف قوات الميليشيات من هجماتها على القوات الأمريكية دون الخوف من الانتقام الأمريكي كالسابق. ويعرب المسؤولون الأمريكيون عن ثقتهم في قدرة القوات العراقية، ولا سيما جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، على ردع هجمات الميليشيات أو هزيمتها دون دعم أمريكي مباشر. ولكن أداء القوات العراقية خلال هجوم تنظيم داعش عام 2014 يثير القلق حيال قدرة العراق على صدّ تحد عسكري حازم من تلقاء نفسه.