أوّل الكلام آخره:
- تسببت مجموعة متنوعة من الأسباب في تعليق الإمارات العربية المتحدة محادثاتها بشأن إنجاز صفقة لشراء طائرات F-35 Stealth Fighter الأمريكية الصنع.
- رفض المسؤولون الإماراتيون جعل بيع الطائرات مشروطا بتقليص الإمارات علاقاتها بالصين.
- وتريد الإمارات توسيع العلاقات مع القوى الأخرى في ظل ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط للتركيز على روسيا والصين.
- ولعل شراء الإمارات لطائرات مقاتلة من طراز رافال الفرنسية الصنع محاولة لحث الولايات المتحدة على التخلي عن الشروط المتبقية في صفقة F-35.
واجهت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة عقبات في طريق إبرام صفقة كان مقدرا لها أن تنجز في كانون الثاني (يناير) 2021 لبيع الإمارات 50 طائرة مقاتلة من طراز F-35 Joint Strike Fighter، فضلا عن صواريخ وطائرات مسلحة بدون طيار من طراز MQ-9 «ريبر». وتبلغ التكلفة التقديرية للطائرات المقاتلة وحدها حوالي 11 مليار دولار، ولجميع المعدات والأجزاء (بما في ذلك الطائرات بدون طيار) حوالي 23 مليار دولار. وعلى الرغم من سعيهم للحصول على طائرة متطورة لأكثر من عقد من الزمان، أعلن المسؤولون الإماراتيون في منتصف كانون الأول (ديسمبر) أنهم «يعلقون» المفاوضات مع الولايات المتحدة لإتمام الشراء، زاعمين أن واشنطن كانت مصرة على شروط غير مقبولة رفضت أبو ظبي تلبيتها.
وقد تعني مشاكل المرحلة الأخيرة من البيع إحباط هدف الإمارات المتمثل في تعزيز قواتها الجوية نوعا وكما، وهي التي تعتمد حاليًا على طائرات F-16. وكانت إدارة أوباما قد رفضت طلب الإمارات العربية المتحدة الأولي لعام 2010 لشراء طائرة F-35، وكان من بين الأسباب آنئذٍ أن القادة الإسرائيليين أكدوا أن بيع الطائرة للإمارات من شأنه أن يقوض «التفوق العسكري النوعي» لإسرائيل على جيرانها العرب. ويشترط قانون الولايات المتحدة ألا يؤدي بيع الأسلحة لأي دولة إقليمية إلى الإخلال بهذا التفوق. ومن ناحية أخرى، رأى بعض المسؤولين الأمريكيين أن بيع الإمارات لأحدث الأسلحة الهجومية في ترسانة الولايات المتحدة من شأنه أن يعرض المفاوضات النووية مع إيران للخطر.
على أن بعض هذه المخاوف تراجعت خلال إدارة ترامب، التي تولت السلطة بعد ستة أشهر من استلام إسرائيل لأول طائرة من طراز F-35. أعطى التسليم إلى إسرائيل «السبق» على أي مشتر عربي في دمج F-35 في قوتها – وهو عامل مهم خاصة إذا علمنا أيضا أن الولايات المتحدة زوّدت إسرائيل بطائرات F-35 ذات تكنولوجيا تتفوق على تلك المقدمة لأي مشتر لطائرات F-35 خارج الولايات المتحدة. كما أن بيع الأسلحة المتطورة إلى الإمارات العربية المتحدة بدا داعما لسياق التشدد في مواجهة طهران بعد عام 2016، مع تبني الولايات المتحدة لسياسة «الضغوط القصوى» على طهران. ومع قرب نهاية إدارة ترامب، تمكنت الإمارات من ربط البيع بمشاركتها في المبادرة الأمريكية للتوسط في تطبيع العلاقات بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى. وقد وقعت الدول على اتفاقات إبراهيم/أبراهام في أيلول (سبتمبر) 2020. وقد ساعدت صفقات التطبيع في التخفيف من المخاوف المتبقية في إسرائيل وفي الكونجرس الأمريكي بشأن احتمال أن يؤدي بيع F-35 إلى تآكل التفوق النوعي الإسرائيلي.
وفي عام 2021، وعلى الرغم من تراجع الولايات المتحدة عن سياسة «الضغوط القصوى» على إيران، ومن قيامها بـ «مراجعة» رسمية لبيع طائرة F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، فقد كانت في الواقع تسعى إلى إتمام صفقة بيع الـ F-35. ومع ذلك، فإن كل عملية بيع للأسلحة المتقدمة في الولايات المتحدة، بغض النظر عن المشتري، تفرض متطلبات على المستخدم النهائي. وقد سعت الولايات المتحدة للحصول على تأكيدات بأن علاقات الإمارات المتوسعة مع الصين لن تمكن الصين من الوصول إلى تكنولوجيا F-35 أو المساومة عليها، بمجرد تسليمها إلى أبو ظبي. وفي بيان أسباب تعليق الإمارات للصفقة، ورد أن المسؤولين الإماراتيين استشهدوا بإصرار الولايات المتحدة على أن تحد الإمارات من علاقاتها مع شركة هواوي الصينية الرائدة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، ولا سيما في مجال تقنية الجيل الخامس وغيرها من التقنيات، وأن تتخذ إجراءات حماية أمنية أخرى ضد الصين. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، واستجابةً لمخاوف الولايات المتحدة، أوقفت الإمارات العربية المتحدة بناء منشأة في ميناء خليفة الإماراتي، على الرغم من أن المسؤولين الإماراتيين شككوا في التحليل الأمريكي القاضي بأن الصين تخطط لاستخدام المنشأة لأغراض عسكرية. وقد اشتكى المسؤولون الإماراتيون في الأسابيع الأخيرة من أنهم لا يريدون أن توضع صفقة الـ F-35 ولا الإمارات نفسها في خضم التنافس القائم بين القوى العظمىكالولايات المتحدة والصين.
ومع ذلك، يؤكد العديد من الخبراء أن الحواجز أمام إنهاء صفقة F-35 تتجاوز مخاوف الولايات المتحدة بشأن الصين وتتعلق في الأساس بالشكوك الإماراتية الأوسع حول التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج. إذ تؤكد الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى أن أولوية الخليج تتراجع بالنسبة للولايات المتحدة، مستشهدة بما يلي: استئناف المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة مع إيران لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015؛ وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان؛ وقصر مهمة الولايات المتحدة في العراق نهاية عام 2021 على تقديم المشورة والدعم فقط؛ وإعادة نشر الولايات المتحدة للعديد من بطاريات الدفاع الصاروخي باتريوت من دول الخليج إلى آسيا. ولذلك كله فقد سعت الإمارات ودول الخليج الأخرى في السنوات الأخيرة إلى توسيع علاقاتها الدفاعية خارج الولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال شراء معدات دفاعية من روسيا.
وفي كانون الأول (ديسمبر)، أنهت الإمارات العربية المتحدة صفقة قيد المناقشة لأكثر من عقد لشراء 80 طائرة مقاتلة متطورة من طراز رافال من فرنسا. وقد يكون ذلك في جزء منه تعزيزا لأوراق الإمارات التفاوضية بشأن مقاتلات F-35. ويبدو أن تعليق الإمارات للمحادثات لإنهاء شراء F-35، إلى جانب شراء رافال، قد أدى إلى إلحاح المسؤولين الأمريكيين على حل المشكلات المعلقة مع أبو ظبي. وفي 15 كانون الأول (ديسمبر)، صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكين، «نحن على استعداد للمضي قدمًا [بشأن صفقة F-35] إذا كان هذا هو ما يهتم به الإماراتيون». وحتى إذا تم حل جميع المخاوف الأمريكية والإماراتية الفورية بشأن بيع F-35، فمن المؤكد أن الإمارات ودول الخليج الأخرى ستستمر في توسيع نطاق تعاملاتها مع القوى الكبرى الأخرى من أجل تنويع تحالفاتها ضد إيران التي تتقدم تقنيًا – وذلك في الوقت نفسه الذي تجلس فيه دول الخليج مع طهران لتهدئة التوترات. ويبدو أن قادة الخليج يدركون أنه بناءً على الاتجاهات الراهنة في السياسة الأمريكية، فلا ينبغي الاطمئنان إلى مدة التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج أو إلى مداه.